الأمر الواقع :بين فلسفة التقدُّم والاستسلام.


 تنبع المشكلة الحقيقية عند الدول النامية من عدم تقبل النظريات الفلسفية التي تعطي رأيها حول الوضع الحالي لتلك الدول، ونقاط ضعفه وقوته، وكيفية الخروج من المآزق التي حدثت بسبب حداثة دول على حساب أخرى ، والذي انتج عولمة سهلة للدول القوية بواسطة احتكار المعرفة، مما أدى الى عولمة استعبادية للدول المتأخرة ، فالأمر الذي يجب أن يُتبع هو تمكين الفلسفة من تبني نظريات جديدة لكي تقوم بتدريب مواطني تلك الدول وذلك من اجل أن يمهدوا الطريق نحو التوازي في العولمة ليظهر الابداع المنشود لمستقبل تلك الدول التي اضرت بها الحداثة (modernism) وسرعة أدوات عولمة التي جاءت ما بعد الحداثة (post-modern) بسبب التواتر في العمل الحالي والحاضر في الدول النامية، وفقدان التفكر بالوضع الحالي وتطويره نحو المستقبل.

تحوُّل الحاجز النخبوي كأداة تحول دون نقد الذات والذي بدوره منع الفلسفة من التدخل في تفسير عجز الدول عن موازاة الدول المتقدمة ،حدد المعرفة بحدود تكنولوجية في جغرافية العقل لا يمكن تخطيها بسبب حب السلطة وارتباطاتها الخارجية المبنية على الهوة بين طبقية المجتمعات وعبيدها ومضطهديها ، مما يعطينا مجالا لكي نعرف، أن التطور الذي حدث في العالم ،ارتكازاته كانت على حساب غير المتطورين واستمرت العملية بإضطراد دون وعي فلسفي لما يحدث، خاصة في البرامج العملية التي لا تناقش اسباب التراجع والتقهقر ،حيث أصبحت برامج الدول التي تخلّفت تختص فقط بتسيير جسور العولمة للاقوياء.

الخلاصة ، علينا أن نعترف أن غياب التفسير المنطقي للوضع الحالي بواسطة الفلسفة العلمية هو السبب الرئيس وراء ذلك التراجع أمام "حداثة " أصبحت "قِديمة" بفعل سرعة ادوات العولمة ،خاصة عندما نرى الفرق الواضح بين حداثة قوية مستمرة وبين حاضر جامد لدولنا غير مُفَسَّر بكفاءة ومعرفة وابداع، فلا يمكن قبول الأمر الواقع الذي فرضته الحداثة من خلال العولمة دون البحث عن تفسير لهذا الواقع، لأنه بذلك تتحول الدول الى جمادات مستسلمة ساكنة يستخدها الأقوياء في تحصيناتهم المعرفية ،وهذا ما يفسر الوضع العالمي من قطبيته الى تفرعاته التنافرية ،الصغيرة منها والكبيرة،والذكاء هنا يكمن في تفسير ذلك الوضع الكلي للعالم بشكل فلسفي ليتسنى للدول الراكدة معرفيا النظر في الأفق البعيد وذلك للخروج من قاعات الإنتظار التي وضعت نفسها فيها بشكل طوعي تحت ما يسمى "الأمر الواقع" .