اضطراب ما بعد الإجهاض.. حجم المشكلة وكيفية التعامل معها
كادت "عبير" أن تفقد عقلها حينما أفاقت من التخدير وعلمت بفقد جنينها للمرة الثانية.
يقدر المجتمع مأساة الأم التي تفقد جنينها، لكنه قد لا يدرك أبعاد تلك المأساة التي تعبث بنفس الأم حتى تجعلها أحيانا تتهم نفسها وتحكم عليها بالإدانة.
مأساة لا توصف
يولد ما يقرب من 2 مليون طفل ميتا كل عام، بمعنى طفل واحد كل 16 ثانية، وفقا لتقديرات مشتركة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" (UNICEF) ومنظمة الصحة العالمية ومجموعة البنك الدولي وشعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة.
وتحذر تلك الجهات من أن جائحة كوفيد-19 يمكن أن تؤدي إلى تفاقم عدد المواليد الموتى على مستوى العالم، متوقعين أن يتسبب تراجع الخدمات الصحية بسبب الوباء في نحو مئتي ألف وفاة إضافية.
تقول المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور إن "فقدان طفل عند الولادة أو أثناء الحمل هو مأساة مدمرة للأسرة، ومعاناة الأم من مأساة ولادة جنين ميت لا توصف".
كلام هنريتا توضحه دراسة أوروبية منشورة في المجلة الأميركية لأمراض النساء والتوليد "إيه جيه أو جي" (AJOG)، وجدت أن واحدة من كل 6 نساء يصبن باضطراب ما بعد الصدمة، حيث القلق والاكتئاب بعد الإجهاض أو الحمل خارج الرحم، وتنخفض شدة الصدمة بمرور الوقت ولكنها تظل عند مستويات مرتفعة خلال 9 أشهر اللاحقة لفقدان الجنين.
اضطراب يبدأ بلوم النفس
قبل خسارة عبير جنينها في الشهر الثامن، كانت قد مرت بخسارة جنينها الأول في الشهر الثاني، عانت من الضعف وقلة الحيلة، توقفت عن الأكل والشرب وحتى الكلام، لماذا لم يتقبل جسدها جنينا؟ لماذا يلفظه الرحم دائما للخارج؟
تحكي عبير للجزيرة نت "عندما فقدت جنيني الأول حزنت كثيرا وشعرت أنه خطأي لأنني لم أعرف كيف أحافظ عليه، لكن عندما فقدت طفلي الثاني كسر قلبي".
مع حملها الثاني كانت أكثر حرصا وخوفا، نامت 3 أشهر الأولى على ظهرها لتحافظ عليه، كانت تدرس كل حركة وكل خطوة قبل أن تخطوها، وكلما كبر الجنين داخل رحمها، زاد اطمئنانها.
تفسر جوليا بينو أخصائية نفسية في لندن، في تقرير على سيكولوجي توداي (Psychologytoday)، لوم المرأة بعد الإجهاض لنفسها قائلة "على الرغم من استمرار الإجهاض في كونه النتيجة السلبية الأكثر شيوعا لأي حمل، فمن المرجح أن يحدث دون أن سبب واضح، وعندما لا نجد سببا للأحداث الصعبة التي يمكن أن تلقيها علينا الحياة، فإننا نميل إلى اختلاق سبب".
وتوضح جوليا أن لوم النساء لأنفسهن هو الأمر الثابت بقوة، قائلة "لقد استمعت إلى نساء يرجعن نهاية حملهن في وقت مبكر جدا إلى أسباب غير منطقية وأحيانا مؤلمة للقلب مثل الوقوف بالقرب من الفرن والوقوف بالقرب من وحدة التجميد (الفريزر)، لقد سمعت حتى إن نساء يشتبهن في أن حملهن قد انتهى لأنهن يساورهن شكوك أو مخاوف بشأن كونهن أما، أو لأن الحمل لم يكن مخططا له في البداية، وسمعت أن الرجال يلومون أنفسهم بطرق مماثلة أيضا، لكنه أكثر قوة لدى النساء".
واحدة من بين كل 6 نساء يصبن باضطراب ما بعد الصدمة المتمثل في القلق والاكتئاب بعد الإجهاض (بيكسابي)
ثقافة قاسية
يوسف، هكذا أطلقت عليه عبير قبل استخراج تصريح الدفن، حمله والده ودفنه في حفرة صغيرة مقابلة لقبر جدته.
عادت عبير إلى بيتها، لم ينتبه الطبيب لضرورة إعادة تأهيلها نفسيا، دخلت إلى غرفة طفلها الذي كان محتملا، ولكنه موجود أيضا بقوة في ذهنها.
بقيت لأشهر تعاني في صمت، استعجلها زوجها وأقاربها في التعافي أو ربما إظهاره فقط، تحكي قائلة "بعد أيام قليلة، يطلبون مني الخروج والالتفات لزوجي وبيتي وكأن شيئا لم يكن، لم يكن حتى هناك طفل بعد لأتعلق به، هكذا أخبروني بقسوة".
تحاملت على نفسها وأخفت الألم داخلها، رافضة محاولات زوجها للحمل مرة أخرى، "كان لدي هاجس قوي بأن كل حملي سيفسد، لن يكتمل وكنت خائفة جدا".
قررت بناء على نصيحة إحدى صديقاتها اللجوء لطبيب نفسي، وكان الأمر سريا حتى على والدتها، بعد جلسات عدة وبعد أشهر عديدة حملت من جديد، لم يفارقها الرعب حتى حملت طفلتها بين يديها، وبعد عامين حصلت على طفلتها الأخرى.
كيف تتعافى من الشعور بالذنب؟
لا توجد طريقة بسيطة للتخلص من الشعور بالذنب أو للتوقف عن لوم النفس، ولكن هناك بعض الأساليب التي يمكنك تجربتها للتخفيف من هذه المشاعر، يوضح تقرير على فيري ويل فاميلي (Very well family) بعض تلك الأساليب:
غالبا ما يكون الشعور بالذنب ناتجا عن الشعور بالعجز (مواقع التواصل)
افهمي الشعور بالذنب
في حالة الإجهاض، غالبا ما يكون الشعور بالذنب ناتجا عن الشعور بالعجز، حتى مع العلم أنه لم يكن هناك شيء يمكن أن تفعليه أنت أو طبيبك لتغيير النتيجة، ولا يوجد تقصير قط. لذا فضرورة فهم ذلك الإحساس أول خطوة للتعافي.
اصنعي فرقا
إذا كان لديك أي مخاوف من أن اختيارات أسلوب حياتك ربما لعبت دورا في خسارتك، فلديك الفرصة والقوة لإجراء تغييرات في حياتك.
كالإقلاع عن التدخين مثلا، وتقليل التوتر، والحصول على رعاية طبية منتظمة واتباع التعليمات الطبية.
اعترفي بمشاعرك
لا تقيدي مشاعرك أبدا، اتركي لنفسك الوقت والمساحة الكافية للحزن، وعبّري عن مشاعرك حتى لطفلك الذي كان من المفترض أن يأتي، سواء من خلال البكاء أو التحدث إليه بصوت عال أو حتى كتابة خطاب له.
ساعدي امرأة أخرى
ربما قد فات الأوان لتغيير نتيجة الحمل الخاصة بك، ولكن العمل على مساعدة الآخرين من الشعور بالحزن نفسه يمكن أن يساعد في التخفيف من الشعور بالذنب.
يمكن مساعدة امرأة حامل، أو أخرى فقدت جنينها، أو المساعدة في أحد المراكز الطبية المخصصة للحمل والولادة، أو في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في المستشفيات لمحدودي الدخل، ويمكن أن تكون المساعدة مادية أو معنوية.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية