بعد مرور مئة يوم على حكومة الخصاونة.. هيمنة النهج العابر للحكومات



كتب احمد الحراسيس - أكثر من مئة يوم مضت على تشكيل حكومة الدكتور بشر الخصاونة التي جاءت خلفا لحكومة الدكتور عمر الرزاز، دون أن يشعر المواطن بفارق كبير في الأوضاع خلال هذه الفترة، فالخيبات كانت كثيرة وكبيرة للغاية في مختلف القطاعات، مقابل نجاحات محدودة في القطاع الصحي فقط دون غيره.

الواقع أن حكومة الخصاونة في المئة يوم الأولى أخفقت في جسر هوّة الثقة بين الشعب والسلطة، بل على العكس تماما، فقد تعمٌقت حالة انعدام الثقة التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى.

التشكيل الوزاري

خيبة الأمل الأولى جاءت من التشكيل الوزاري، فقد ضمّت الحكومة (32) وزيرا، بثلاثة نوّاب لرئيس الوزراء وثمانية وزراء دولة، والحقيقة أننا لا نعرف سبب تواجد معظمهم في التشكيل الحكومي، وقد ثبت للجميع أن هذا العدد حمولة زائدة، فهناك أسماء لم نسمع لهم صوتا ولم نرَ لهم أي نشاط أو انجاز، فكانوا غائبين عن المشهد تماما. هذا بالاضافة إلى كون التشكيل جمع ألوان الطيف المختلفة في الحكومة، حتى باتت بلا هوية ولا طعم..

أزمة نقابة المعلمين

خيبة الأمل الثانية جاءت من تعامل الحكومة مع أزمة نقابة المعلمين، فقد كانت الآمال المعلّقة على حكومة الخصاونة كبيرة لفكفكة هذه الأزمة التي تؤثر على معظم الأردنيين، بالاضافة إلى الشرخ الكبير الذي أحدثته في العلاقة بين الحكومة والشعب، وهدمت آخر جسور الثقة بين الطرفين.

وعلى العكس من ذلك، فقد استمرّت الحكومة باتخاذ الاجراءات التي وُصفت بالانتقامية والتعسفية، من خلال احالة معلمين على التقاعد المبكر والاستيداع واجراء تنقلات طالت معلمين ناشطين، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعدّاه إلى ضرب واعتقال معلمين حاولوا الاعتصام بشكل سلمي أمام مجلس النواب، ومنعت بعضهم من الوصول إلى البرلمان لتقديم مظلمة للجان النيابية ذات العلاقة!

الحريات العامة

يمكن تلخيص مشهد وواقع الحريات العامة في عهد الخصاونة بصورة الساحة المقابلة لمجلس النواب، إذ استكملت الحكومةنهج تسييج الساحات العامة لمنع أي شخص من الاعتصام أو التظاهر، وبما يشكّل مخالفة صريحة للدستور والقانون، وانتهاكا لحقّ المواطنين في التجمع والاعتصام، وتقييدا لحرية التنظيم النقابي.

الاصلاح السياسي

لم تكتفِ حكومة الخصاونة بعدم اتخاذ أي اجراء تجاه تحقيق الاصلاح السياسي، بل وعلى العكس تماما، ذهبت الحكومة نحو اجراء تعديلات على قانون أمانة يعكس تعطّش السلطة التنفيذية لاحكام قبضتها على كافة المجالس المنتخبة والانقلاب على شرعية الصندوق.

النهج الاقتصادي

رغم أن هذه الحكومة جاءت لمعالجة الأضرار الصحية والاقتصادية التي لحقت بنا جراء سوء ادارة الحكومة السابقة لهذين الملفين، إلا أنها لم تقدّم أي شيء لانقاذ القطاعات المختلفة ومنع تدهورها، ولم تُحدث أي تحوّلات في الوضع الاقتصادي، ولم تتخذ أي قرارات بخفض الضرائب وتخفيف الأعباء الاقتصادية على الأفراد والمؤسسات.

كما ذهبت الحكومة لتقديم موازنة لا تعكس استشعار الحكومة أننا نعيش في مرحلة استثنائية تتطلب موازنة غير اعتيادية، ما يعني أننا لن نشهد التحسّن الاقتصادي المأمول، ولعلّ ذلك يعكس حجم عجز الفريق الاقتصادي للحكومة.

العلاقة مع وسائل الاعلام

لعلّ ما يفتقده الصحفيون مع تولّي الدكتور الخصاونة مسؤولياته هو الانفتاح الرسمي على وسائل الاعلام، فهذه الحكومة هي الأكثر انغلاقا على الاعلام، بخلاف ما كان سائدا في عهد الحكومتين السابقتين، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل تعدّاه إلى اعتقال صحفي واحالته على محكمة أمن الدولة بسبب مادة صحفية!

الواقع أن هناك حالة من الجفاء بين الحكومة والاعلام لم تنجح معه فكرة "واتساب الاعلام"، بالاضافة إلى حالة من عدم الاهتمام الرسمي أيضا بالأزمة المالية التي تمرّ بها وسائل الاعلام الالكترونية والمطبوعة على حدّ سواء.

النقابات المهنية

كما فشلت الحكومة بالتعاطي مع ملفّ النقابات المهنية، فقد التقى الرئيس مجلس النقباء مرّة واحدة مؤخرا، أوصل خلالها النقباء رسائل إلى الرئيس دون أن يستجيب الأخير لأيّ منها، فتجاهل هذا الجسم الاعتباري المهم، كما ذهبت الحكومة إلى تأجيل انتخابات النقابات بشكل يرتّب اشكالات قانونية عميقة، بالرغم من كونه هذه الحكومة نفسها أجرت الانتخابات النيابية دون أن يرفّ لها جفن!

التعليم عن بُعد

تمسّكت حكومة الخصاونة بخيار التعليم الالكتروني بالرغم من الانتقادات الكثيرة والفشل الكبير في هذا النمط من التعليم، وبالرغم أيضا من وجود آراء طبية وعلمية تؤكد أن المدارس لم تكن بؤرا لانتشار فيروس كورونا. كما استمرت محاباة الحكومة للمدارس الخاصة من خلال عدم فرض خصومات مجزية على رسوم المدارس المرتفعة أصلا.

التعليم العالي

شعر أولياء أمور طلبة تضرروا من جائحة كورونا بخيبة أمل كبيرة لعدم شمول أبنائهم بالمنح والقروض الجامعية، وذلك بما يعكس عدم ادراك الحكومة لواقع حال الأردنيين بعد جائحة كورونا، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.

بالاضافة إلى ذلك، جاء كتاب رسمي يكشف عن توجه لضرب معايير العدالة في القبول الجامعي من خلال طرح مقترحات لتعديل نظام القبول بشكل ينحاز إلى أبناء العاصمة عمان والمدن الكبرى، وتحديدا طلبة المدارس الخاصة منهم، ليصبح مستقبل الطلبة من الطبقة الفقيرة مهددا بعدم امكانية استكمال دراساتهم العليا في التخصصات التي يستحقونها.

القطاع الصحي

في ادارة شؤون القطاع الصحي، تمكّنت الحكومة من تحقيق منجزات ملموسة حقّا، بدءا من مضاعفة الطاقة الاستيعابية للقطاع وبشكل مكننا من تجاوز مسألة الحظر الشامل الطويل لمواجهة وباء كورونا، ومرورا باتخاذ اجراءات تكفل وصول وسائل الحماية والوقاية للكوادر الصحية، وانتهاء بتأمين وصول اللقاحات إلى الأردن في وقت مبكّر، ولكن..

مازالت وتيرة اعطاء اللقاحات للمسجلين عبر المنصة الالكترونية بطيئة للغاية، فالرقم المعلن يشير إلى تطعيم نحو (30) ألف شخص من أصل (300) ألف شخص مسجّل، وهذا رقم ضئيل لا يمكن فهمه ولا تفسيره!

وبالاضافة إلى ذلك، مازالت القصص المأساوية عن وفاة مواطنين في أروقة المستشفيات لأسباب ادارية تتوالى، ونذكر منها حادثة الشاب الثلاثيني الذي توفي نتيجة اجراءات بيروقراطية في مستشفى البشير منعت اجراء عملية قسطرة قلبية له في الوقت المناسب، بالاضافة إلى قصص الأطفال الذين لم يتمكن ذووهم من تأمينهم في مستشفيات قادرة على التعامل مع حالاتهم إلا بعد تدّخل شخصي من وزير الصحة..

قطاع الطاقة

يعدّ قطاع الطاقة أحد أبرز خيبات الأمل بحكومة الدكتور بشر الخصاونة، فهي تفتقر لأشخاص ومتخصصين يمتلكون رؤية شاملة قادرة على التعامل مع هذا الملف الهام والحيوي والذي يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وأوضاعهم الاقتصادية، وإلا فكيف نفهم تخصيص الحكومة ملايين الدنانير للمشروع النووي دون أن نراجع هذا الباب غير المجدي اقتصاديا؟ وكيف نفهم مراجعة اتفاقية العطارات دون أن نراجع الاتفاقيات مع شركات التوليد المختلفة وعلى رأسها الشركتين الأمريكيتين، وعدم الالتفات إلى مراجعة واعادة النظر باتفاقيات الطاقة الموقعة مع شركات التوليد.

القطاع الزراعي

مازال تعامل الحكومة مع القطاع الزراعي الذي ينهار أمام سمع وبصر الحكومة دون اتخاذ أي اجراءات حقيقية وجوهرية تنقذ هذا القطاع الذي يحقق للأردن أمنه الغذائي، وذلك بالرغم من اعتراف الحكومة نفسها بوجود مشكلة عميقة، إلا أن اجراءاتها لم ترتق إلى مستوى هذه المشكلة.

تعيينات الوظائف القيادية

أكدت حكومة الخصاونة أنها لا تختلف كثيرا عن سابقاتها فيما يتعلق بالتعيينات في المواقع القيادية، فذهبت لتعيين نجل رئيس وزراء أسبق في وظيفة قيادية وبراتب مرتفع للغاية، والأنكى من ذلك أنها ورغم كلّ الجلبة التي أحدثها التعيين لم تتراجع عن التعيين وتمسّكت به، ولم تكن معنية باقناع الناس بالقرار، ورفضت بيان الأسس التي جاء التعيين على أساسها.

العلاقة مع مجلس النواب

واضح أن العلاقة بين الحكومة والنواب "قمرة وربيع"، تماما كما كانت سابقا، والحقيقة أننا عاجزون عن فهم سرّ حالة التجانس الدائمة، رغم كلّ ممارسات الحكومة التي تسيء فيها لمجلس النواب، وقد شاهدنا خلال الشهر الأخير فقط كيف جرى الاعتداء على هيبة وكرامة مجلس النواب من خلال ضرب واعتقال معلمين حاولوا الوصول إلى البرلمان من أجل تقديم مذكرة رسمية لرفع الظلم الواقع عليهم، وكيف تجاهل الخصاونة مداخلات النواب الكثيرة التي تضمنت مطالبات بالغاء قرارات احالة معلمين على التقاعد المبكر والاستيداع، وكيف تنصّل وزير التربية نفسه من مطالب لجنة التعليم بهذا الخصوص أيضا. بالاضافة إلى ما جرى تحت القبة لدى توجيه سؤال نيابي حول هيئة الطاقة الذرية وانجازاتها طيلة السنوات الماضية، وما تخلل ذلك من رفض رئيس الهيئة الكشف عن راتبه، ليأتي في اليوم التالي ويعلن عن راتبه على شاشة قناة خاصة.

التعامل مع الجرائم

بعد جريمة الزرقاء البشعة، والتي تلتها جريمة أخرى في مرج الحمام، وثالثة في البادية الوسطى، لم نسمع إلى اليوم عن توجّه الحكومة لتعديل التشريعات بما يمكّن القضاء من التعامل الأمثل مع مكرري الجرائم.