المفارقات غير المنطقية في تصريحات مديري المؤسسات الرسمية



كتب محرر الشؤون المحلية - عندما يُبطن صاحب القرار، حقيقة أن تصريحاته ومواقفه وقراراته مرصودة من قبل وسائل الاعلام، وأن هناك من يهتمّ بنقلها إلى الرأي العام، فإنه يفكر مئة مرة قبل أن يمارس ديماغوجيته المعهودة، واستعراضه المُمسرَح، وتبريراته الواهية.. لذلك يفضل غالبيتهم العظمى عدم الظهور وعدم التورط في تقديم تصريحات وآراء قد يجري نقلها وشرحها ونقدها وتأويلها من قبل الصحافة المستقلة.

مدير عام مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الأردني محمد بلقر، لا يخرج على الاعلام غالبا، رغم أنه يقود مؤسسة اعلامية عريقة ومدرسة صحفية يشهد لها القاصي والداني، وكذلك هو حال المديرة التنفيذية لقناة المملكة دانا صياغ، فهي نادرة الظهور الاعلامي رغم ادارتها لمؤسسة اعلامية رصدت لها موازنات بعشرات الملايين.

المهم، أننا تمكنا من رصد تصريحات نسبت لهما في الاجتماع الذي جمعهما باللجنة المالية لمجلس النواب الأردني أثناء مناقشات اللجنة لموازنات المؤسسات الاعلامية الرسمية، تمهيدا لاقرار قانوني الموازنة العامة وموازنات الوحدات الحكومية المستقلة للسنة المالية 2021، وهذه التصريحات تضمنت جملة من المغالطات والمفارقات التي لا بد من تسليط الضوء عليها.

في البداية أبدى المديران استياءهما من تخفيض الميزانيات، وهذه إحدى المغالطات الكبيرة، ففي الوقت الذي يظنان فيه أن موازناتهما غير كافية، نسأل نحن وبكلّ موضوعية لماذا ننفق كل هذه الملايين، وما جدوى وجود أكثر من قناة رسمية في دولة تعاني ما تعانيه من شحّ ومحدودية في الموارد ومديونية وعجز؟ لماذا نضع إحدى أذرعنا الاعلامية في مواجهة أو حتى في منافسة مع ذراع أخرى؟ أم هو في حقيقته تعبير عن صراع آخر بين مراكز القرار المختلفة؟! نحن هنا نتحدث عن أكثر من (35) مليون دينار يجري تخصيصها لهاتين المؤسستين التابعتين نظريا لجهة واحدة وهي الحكومة.

المفارقة الثانية: حديث بلقر ووزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال علي العايد عن أن العمل جار على وضع تعليمات وأسس جديدة مرتبطة بالأداء لتحفيز موظفي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني، وذلك لجسر الفجوة الكبيرة بين رواتبهم مقارنة برواتب موظفي قناة المملكة، تاركين القرار النهائي بهذه العلاوات لمديري الدوائر، وهو الأمر الذي سيترك المجال واسعا لتدخل العامل البشري والاعتبارات الشخصية، وتسيد الوساطات والمحسوبيات والشللية. كان الأجدى أن يجري اقرار علاوات ثابتة لجميع العاملين، وذلك لتحسين أوضاعهم المعيشية وجسر الفجوة بين رواتب نظرائهم في تلفزيون المملكة، هذه المؤسسة المدللة الأولى بالرعاية والاهتمام الرسمي..

وحتى لا نقع ضحية حملات التشويه والتضليل التي تبالغ في تقدير أكثر عدد الموظفين الكبير نسبيا في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الأردني، فنقول إن عدد الموظفين في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ليس كبيرا إذا ما راعينا أنهم يعملون لانتاج الأخبار والبرامج التلفزيونية والاذاعية الفنية والثقافية والأدبية والرياضية والدينية والترفيهية والموجهة لكافة الفئات العمرية. قناة المملكة يعمل بها (330) موظفا وهم ينتجون محتوى اخباريا فقط، ويعتمدون فنيا على كوادر التلفزيون الأردني الفنية والهندسية في التغطيات الخارجية.

أما المفارقة الثالثة: فلقد جاءت في مداخلة المديرة التنفيذية لقناة المملكة دانا الصياغ، والتي قالت إن القناة تقوم على (330) موظفا، بينما تبلغ موازنتها (10) ملايين دينار، فيما بدا أنها حاولت تبرير ارتفاع رواتب العاملين في القناة بالقول إن موظفي القناة يعملون لساعات طويلة، وهم متفرغون للعمل في القناة ولا يوجد لهم بند للمكافآت.

نحن لا نقلل من الجهد الكبير والنوعي الذي يبذل لانتاج المحتوى الاخباري المحلي الشامل، ضمن هوامش الحرية المتاحة، ونعتقد أن رواتب العاملين هناك منطقية ومعقولة باستثناء رواتب عدد من الموظفين المعينين في مواقع متقدمة (..).

المفارقة أن الصياغ كشفت عن نية القناة اطلاق محطة اذاعية اخبارية تابعة لتلفزيون المملكة، وكأننا بهم لا يعيرون أي انتباه لمواقف الناس وردود فعلهم، كيف يمكن أن نفسر هذا النزوع الفوقي، والتجاهل الكلي، لكل ما يكتب ويقال عن انعدام الحاجة لهذا النمو الطفروي لمؤسسات اعلامية تستنسخ ذات التجربة وتستهلك أموال الخزينة، دون أي قيمة مضافة جوهرية..

حديث الصياغ عن الاذاعة يجعلنا نتساءل عن مصير (17) استيديو اذاعة في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون يعمل أقل من نصفها لتشغيل (5) اذاعات رسمية، وهذا يعيدنا أيضا إلى حكاية دمج المؤسسات الاعلامية الرسمية التي قفز عنها الوزير العايد في الاجتماع ذاته!