مستقبل المنطقة العربية في ظل التطورات الضخمة الناتجة عن قدوم بايدن..


حقيقة مهمة يجب ادراكها ابتداء، وهي ان النفط العربي لم يعد من ضمن نقاط الجذب الاستراتيجي الامريكي، فامريكا اليوم مكتفية ذاتيا بمصادر الطاقة وستصبح قريبا مصدرا مهما للنفط.

تهتم امريكا تاريخيا بالمنطقة لسبيب رئيسيين: النفط واسرائيل، وهذين السببين تم تأمينهما في السنوات القليلة الماضية، فامريكا اصبحت تنتج الكثير من النفط ومصادر الطاقة الاخرى داخليا ولم تعد بحاجة لنفط المنطقة، وأسرائيل احكمت هيمنة شبه تامة على الطبقة السياسية في المنطقة من المغرب الى البحرين وليست بحاجة الى الحماية الامريكية كما كان عليه الحال سابقا.

هذا من جهة، اما من الجهة الاخرى فقوة امريكا الاستراتيجية ذاتها تتعرض لتحدي وجودي غير مسبوق من الصين، العملاق الاسيوي الذي لم يعد يخفي طموحاته بالحلول محل امريكا في قيادة العالم، مما يتطلب موقفا امريكيا لمنع الوصول الى تلك النتيجة، وهذا بالطبع يتطلب تركيزا هائلا على تلك المنطقة بصينها ودولها الاخرى التي تسابق الريح في تطورها على مختلف الاصعدة.

ويظل التهديد المتبقي من وجهة النظر الامريكية والغربية بشكل عام يتمثل في ايران القوية والتي قد تصبح قوة نووية والتي تعتبر غربيا مشكلة استراتيجية كبرى. فايران التي تمتلك صناعات صاروخية متقدمة جدا وبنية تحتية علمية وبحثية متطورة تشكل التهديد الوحيد المتبقي على المدى القصير والمتوسط لاسرائيل، وهذا التهديد يصنفه الاسرائيليون انفسهم على انه تهديد وجودي وبالتالي يجب التعامل معه بحزم بهدف وقفه، لذلك تتمحورالاستراتيجية الغربية في التعامل مع ايران حول عملية الاحتواء وليس المواجهة، فالمواجهة العسكرية تتطلب اثمانا باهظة للغاية ليس هنالك من يستطيع دفعها لذلك فهي مستبعدة، وتعتبر اوهام بعض الدولة العربية ان يحارب الغرب ايران نيابة عنها اوهاما ساذجة وغير قابلة للتحقق.

في ظل هذه المعطيات يظل هنالك سؤالا مهما ما فتأ يبحث عن اجابة منذ زمن طويل وهو: اذا غادرت امريكا المنطقة، وتم تمكين اسرائيل منها، ما شكل التطورات الشعبية الناتجة عن ذلك؟

طبعا الاجابة على هذا السؤال تتفاوت حسب الخلفية الايديولوجية لمن يجيب عنه. لكن الاجابة الاكثر منطقية هي ان الشعوب العربية والاسلامية كانت تتأثر كثيرا بالبعد الثقافي للحضارة الامريكية وبالتالي تنقسم فيما بينها بين من هو مؤيد للهيمنة الامريكية على المنطقة وبين من هو معارض. اما في حالة ابتعاد امريكا لتحل اسرائيل محلها في السيطرة على المنطقة فالشعوب ليست معجبة اصلا بدولة اسرائيل وتعتبرها وجودا سرطانيا عدوانيا لا يجوز السكوت عليه.

لذلك وفي ظل الهيمنة الاسرائيلية يُعتقد ان المنطقة العربية ستمر بمرحلة من عدم الاستقرار المتصاعد عاما بعد عام خلال السنوات القادمة ولن تتمكن اسرائيل من المساعدة في ضبط إيقاع الوضع المتدهور وستزداد حاجة الانظمة القائمة للطريق البديل وهو ادخال اصلاحات ديمقراطية تستوعب تطلعات الشعوب التي تعيش حالة من الضياع الناتجة عن الشعور بانها تحكم بطريقة عفى عليها الزمن، او تتحمل كلفة التغيير الحتمي بطرق قد تصبح ليست سلمية.


qatamin8@hotmail.com

* اكاديمي وكاتب اردني