في وقت الغضب.. أشخاص يتصيدون “الزلات” وينقلونها بقصد الفرقة

فرقة وحقد وألم، هي مشاعر مرة ومؤذية تتسبب في خدش القلوب وجفائها والمسؤول عنها أشخاص يحبون تتبع الزلات، بل وأيضا نقل كل ما يقال أمامهم من دون مراعاة الوقت والموقف وأي تفاصيل أخرى من شأنها أن تبرر ما قد يقال في لحظة غضب وانفعال.
كلمات "سامة” وأخرى جارحة وقاسية، تلك التي تصدر عن الشخص الغاضب من دون قصد، لكنها بالرغم من ذلك قد يتخذها البعض ضده كدليل يدينه ويجرمه أمام قلوب تعنيه جدا، ويحبها كإخوته وأصدقائه وغيرها من العلاقات الخاصة التي تتعرض للشروخ والتصدع وربما الانهيار تماما بفعل كلمة قيلت، ولم تقف عند ذلك الحد فحسب وإنما أوجدت نوعا من العداوة والنفور بين الناس.
الأربعيني عماد عبدالله وهو موظف في إحدى الشركات، يستغرب جدا ويتساءل بألم عن سبب تصيد البعض لزلات غيرهم واستغلال الموقف بشكل سيئ، بالرغم من أن هنالك لحظات غضب تخرج الكثير من الكلمات المؤذية رغما عن قائلها، لكن هناك من ينسف كل الأعذار التي قد تبرر للآخر انفعاله وكلامه غير المحسوب ربما، والناتج حتما عن ردود فعل تلقائية وعابرة سرعان ما تزول وتتلاشى.
ويلفت عماد إلى أن الإنسان يجب أن يكون أمينا على كلام الآخر، وخاصة إذا كان في حالة غضب وعصبية وأن يكون ساعيا بالخير يعرف جيدا متى يتكلم ومتى يصمت، مبينا أنه شخصيا تعرض لموقف مع مديره بعد أن نقل أحد زملائه كلامه مشعلا بذلك نيران الفتنة بينهما.
يتأسف عماد لكثرة هؤلاء الذين يتفننون التخريب بين الناس ويبدعون في تشويه الحقائق بل حتى أنهم يتجاهلون عمدا كل الأسباب التي قادت الشخص الغاضب لأن يفقد أعصابه ويتفوه بكلام غير محسوب ربما هو فقط وليد اللحظة. ويوجه عتبه لكل الذين يصطادون بالماء العكر كلماتكم هذه التي تنقلونها من شخص لآخر وحتى لو دون قصد أحيانا كفيلة بأن تهدم بيوتا وتشتت قلوبا وتغربها عن أحبتها ليس هناك من هو بمأمن من الفضفضة تلك التي تخلقها العصبية ويدفع ثمنها القائل ندما وحزنا وفرقة. ويؤكد أنه تعلم مؤخرا أن يتحكم بانفعالاته أكثر وأن يكون حريصا في كلامه فليس الجميع يتمنون له الخير أو يفهمونه ويقدرون دوافعه بإيجاد الأعذار له.
وتشاركه المشاعر نفسها روان عمر التي دفعت ثمن كلمة قالتها في لحظة غضب، سنوات من الجفاء والفرقة بينها وبين أخيها. تقول لم تتوقع أبدا أن يأتي يوم تقف فيه أمام أخيها كمتهمة مضطرة لأن تدافع عن نفسها وتثبت براءتها من كلام خرج على لسانها ربما كان قاسيا لكنه لم يكن مقصودا.
وتتابع هو خلاف بسيط جدا تعارض في وجهات النظر وصل إلى الصراخ والاتهامات الجارحة، مبينة أن أخاها هجومي بطبعه لا يتقبل مطلقا الرأي الآخر، لهذا السبب كان خلافهما حادا ومؤذيا لكلا الطرفين. تقول عن نفسها "أدرك جيدا أنني شخصية انفعالية ومتسرعة في ردات فعلي وهذا كله يتعبني كثيرا في علاقتي مع من حولي”. وتشعر بالندم اليوم لأنها في وقت الغضب لا تستطيع أن تسيطر على انفعالاتها المؤذية غالبا، وهذا تماما ما حدث معها عندما نسيت نفسها وقالت كلاما جارحا في حق أخيها أمام شخص مقرب منهما.
لم تبال روان في تلك اللحظة بما تقوله، كانت فقط تريد أن تعبر عن غضبها من موقفه فانفجرت بالكلام دون أن تحسب حسابا لأن يساء فهمها، هي في تلك اللحظة تحدثت بقهر واعتبرت أن كل ما تقوله بأمان لكنها كانت مخطئة في اعتقادها، فالشخص المقرب منهما لم يكن على قدر ثقتها به استغل الموقف ونقل لأخيها ما قالته عنه، فكانت النتيجة قطيعة استمرت مدة ثلاث سنوات.
الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يبين أن نقل الكلام له تأثيره السلبي بغض النظر عن نية الناقل، فهو يعمد لهذا السلوك لكونه يفتقد الثقة بنفسه. واستخدامه لهذا الأسلوب المشين يمنعه من تطوير ذاته ويبقيه شخصا متصيدا للزلات أجوف من الداخل ليس لديه ما يشغله عن غيره، إضافة إلى أنه يجهل أن السكوت في بعض المواقف فضيلة وأن كثرة الكلام وتناقله بقصد أو حتى دون قصد حتما يتسبب في إحراجه مع الآخرين ويدخله في مشكلات لا تنتهي.
ويشير مطارنة إلى أن مثل هذه السلوكات الخاطئة لها جذور نفسية وأخرى اجتماعية، وذلك لأن الناس يجاملون المتحدث أو ناقل الكلام ويستمعون له ويستقبلون منه، الأمر الذي يجعله يتمادى في تهويل الأمور وتوصيلها على غير صورتها الحقيقية. فهم حين ينصتون له وكلهم آذان صاغية يشجعونه على أن يستمر في نقل الكلام من شخص لآخر.
ويؤكد أن دوافع الشخص الناقل للكلام هي التي تحدد أهدافه من الإيقاع بين الناس، فهناك من يعمد لنقل الكلام لأجل المتعة ليس أكثر، بينما يوجد أشخاص آخرون يقومون بهذا الفعل دون وعي أو إدراك لخطورة ذلك التصرف السيئ، ومهما اختلف السبب الكامن وراء آفة نقل الكلام، إلا أن النتيجة واحدة، وهي إلحاق الأذى بالآخرين ونشر الضغينة والحقد والكراهية بينهم.
ووفق مطارنة، فإن ذلك الشخص الناقل للكلام يحقق مكاسب كثيرة حتى وإن كانت بطرق غير مشروعة، وخاصة إذا كان الناقل للكلام ذكيا لديه القدرة على وضع الكلام في سياق معين ومقنع، فكم من صديق خاصم صديقه بسبب كلمة نقلها جاهل أو حاقد، فخلقت بذلك الجفاء والعداوة بين القلوب المتحابة وغربتها عن بعضها بعضا.
ويرى الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن العلاقة مع الآخرين مهمة للجميع، سواء الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو غيرهم، ومسؤولية المحافظة على العلاقات مشتركة، على جميع الأطراف الحرص عليها. والمحافظة على العلاقات تكون بالصلة والتواصل والإحسان إلى الآخر، والقيام بالواجبات الاجتماعية خصوصاً في المناسبات.
كما أنها تكون من خلال وسائل التعبير، واللسان وسيلة تعبير وتواصل رئيسية، وبه تتحدث وتعبر بأحسن الكلام، أو يكون وسيلة لإفساد العلاقات، وقد يكون النقل مباشرة من خلال أصحاب العلاقة أو طرفي الحديث، أو من خلال طرف ثالث.
البعض، وفق سرحان، يتفنن في نقل الكلام بل والزيادة عليه، وهي عادة سيئة ومرض اجتماعي وآفة خطيرة يعاني منها البعض رجالاً ونساء. وهؤلاء في الأغلب يركزون على الكلام الذي يسيء للآخرين، ويشحنون النفوس ويستخدمون وسائل التهويل والتضخيم بدوافع متعددة، وبغض النظر عن هذه الدوافع، أكانت بدافع الحقد أو الحسد أو الغيرة، أو حتى الجهل بخطورة نقل الكلام السيئ للآخر، فإن هذا لا يعفي الشخص من مسؤولية ما يرتكب من جريمة، بحق نفسه وبحق الآخرين.
الكلام المنقول قد يكون معلومة أو فيه خصوصية لا يرغب صاحبها في معرفة الناس بها، وقد تسبب له ولأسرته الإحراج، وقد تكون كلمة أو عبارة ذكرها في حالة غضب، لذا فإن نقل الأخبار يسيء للآخر، فهو يسهم في بث روح الحقد والكراهية بين الناس، ويتسبب في توتر العلاقات داخل العائلة أو بين الأصدقاء والزملاء، ما يؤدي إلى التنافر والاختلاف والتباعد، وقد يؤدي إلى الخصام والقطيعة وإضعاف الروابط والتماسك الاجتماعي.
وبحسب سرحان أيضا، فإن نقل الكلام يتسبب بقطع الصلة بين الأرحام وزعزعة الثقة بين الناس، والاستمتاع بنقل الكلام وإفساد العلاقات يشير إلى ضعف ثقة الناقل بنفسه، وهو مرض وخلل نفسي يجب التخلص منه.
قد يكون نقل الكلام دون إدراك للآثار السلبية وعواقب هذه الأفعال، ما يستوجب تنبيه هذا الشخص إلى خطورة ونتائج أفعاله، وأن ما يقوم به فعل مرفوض اجتماعياً، وسلوك خاطئ يتنافى مع الأخلاق والقيم الأصيلة. وقد ينقل شخص الكلام بهدف التقرب من شخص آخر، سواء كان مسؤولاً أو قريباً، وهذا أيضاً تزلف ونفاق اجتماعي، يقلل من قيمة صاحبه في نظر الجميع. وهو سلوك الضعفاء، الذين يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم ليكونوا مؤثرين، من خلال قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية.
ويذهب سرحان إلى أن الأصل أن يزن الإنسان كلامه، وأن يفكر في عواقبه قبل أن ينطق به، فالكلمة لها أثر كبير، وقد قيل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، وحتى يواجه المجتمع مثل هذه الآفات، فإنه ينبغي على الجميع عدم الاستماع لناقلي الكلام مهما كان موقعهم، لأن من تستمع له قد ينقل عنك للآخرين كلاماً يسبب لك المشكلات معهم. والمسؤولية أيضا في التثبت من صدق ما ينقل من كلام، وذلك بالتواصل المباشر مع ذوي العلاقة.الغد