الاعلام الاردني في مهب السلطة..واقع الحال المائل وتحديات البقاء المستحيل
وضع الصحافة في بلادنا ليس بخير، ووضع الصحفيين ليس جيدا علـى الاطلاق..
مهنتنا في مهب السلطة، لقد دخلنا مرحلة جديدة من المعاناة والعنت، ولقمة الخبز التي نطارد ما عادت في مدى رؤيتنا، وقدرتنا على تحصيلها.. العصا التي ربطوا بها الجزر من قبل، باتت اليوم هراوة غليظة تسقط على رؤوسنا والجنب الذي يوجعنا..
ما عادت السلطة تغازل الصحافة ولم تعد معنية باستقطاب الصحفيين، تكالب علينا أكلة القصعة جميعهم من المزروعين بيننا والمتكسبين والمتسلقين والكائنات الطفيلية التي نمت وترعرعت على تخوم الصحف وفي مطابخ القرار التحريري وغير التحريري، وتركوا لنا فتات الموائد..
لم نكن مهتمين بعلاقة السفاح التي جمعت السلطة وبعض وسائل الاعلام الخاصة، بعد ان سحبت السلطات نخاع عظم اعلامها الرسمي والقت بهم هناك بعيدا خارج معادلات الفعل والمعنى والقيمة، لم نحفل باشكال الاحتواء التي لجأت اليها السلطة لتُدخل الاعلام كله في بيت الطاعة، وتمارس عليه الوصاية بابشع صورها، لاننا كنا نشتغل صحافة ونجد ما نسد به رمق اسرنا بمنتهى الكرامة واحترام الذات ..
اليوم لم يعد هذا الوضع متاحا بعد ان تكسرت ارادات الصحفيين على صخور واقع الحال المائل الذي نعيش. بعد ان خارت قوى المجددين و المحدثين، وتسيد المشهد المندلقون والمتزلفون والموظفون، حتى بات الجميع يشعر بحصار مركّب؛ حصار داخلي، وآخر يمارس عليه من قبل المُعيّنين بمركز القرار التحريري.. حصار يأخذ اشكالا متعددة، وشروط بقاء لا تترك بصيص امل واكسجين في رئة متعبة اصابها ما اصابها من تليفات وانتفاخ و تلوث ..
مشكلة الاعلام المستقل اليوم، هو حالة التدمير الذاتي التي يعيشها الناس، فترى القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، لا يهمهم ماذا يقرأون، ولا يعنيهم حجم التضحية التي تبذل لتصل اليهم الحقائق كاملة، لا يميزون بين الغث والسمين، لا يكترثون للفروقات المهنية الكبيرة بين المؤسسات الصحفية.. بالمحصلة ان المجتمع الاردني لا يرعى اعلامه، ورأس المال جبان ومرعوب، وشبكات التواصل تأتي على الاخضر واليابس، وتستحيل الى بازار وسوق نخاسة للخبر ومكان يجري فيه بمنتهى الخِسة المزج المضلل بين المواد الاعلانية والمواد الاعلامية...
الدولة تريد حصتها من عرق الصحفيين حتى قبل ان يغطوا نفقاتهم الجارية، اللازمة لانتاج المواد الصحفية، فتقتطع ضريبة المبيعات قبل ان تغطي المؤسسات رواتب العاملين فيها، كما انها تقتطع مبالغ اخرى على شكل رسوم وطوابع وتراخيص وترددات وضرائب ....الخ الخ الخ ..
ظروف الحصار هذه تضعفنا وتنهكنا ولا تترك مجالا لبقاء واستمرار الكثير من الوسائل الاعلامية الجادة والمهنية، كما انها لا تترك متسعا للمتشبثين بالمهنة الباقين بفعل قوى الدفع الذاتي، للتوسع والنمو وتطوير الادوات وتجويد المحتوى.
لا نعرف سلطة واعية في الدنيا تفرط باحدى اهم اسلحتها وهي الاعلام، بهذه الخفة، وتنشغل في اضعافها وضرب مصداقيتها، لتترك مواطنيها نهبا وفي متناول تأثير وسائل اعلام لها اجنداتها وحساباتها وفواتيرها الخاصة!
هذه ليست بكائية لتبرير الانسحاب او التفريط والمساومة والقبول بالامر الواقع والانقلاب على الثوابت والمبادئ، ولكنها محاولة لوضع الناس بصورة ما نعانيه وما نكابده يوميا، وكشف وتعرية تلك العقلية غير القابلة للتحور والتبدل والتغير التي تسعى للهيمنة الكاملة على الاعلام وتريد امتطاء صهوته وترويض جميع العاملين فيه..