الموازنة العامة، والقربة المثقوبة
تعتبر الموازنة العامة للدولة، بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيراداتها ومصروفاتها، ويكون ذلك في صورة وحدات نقدية، تعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مالية مقبلة.
دستوريا تقدم الموازنة بشكل مشروع قانون، الى السلطة التشريعة بشقيه النواب والاعيان ، ليتم اعتماده والموافقة عليه، ليكون قانونا دستوريا نافذا.
وجرت العادة ان يقدم زير المالية بيانا تفصيليا امام مجلس النواب، يكون في مضمونه الخطط والبرامج التي ستتخذها الدولة للسنة المالية المقبلة، لزيادة الايرادات مثلا، او للإبقاء عليها دون عجز على الأقل.
وزير ماليتنا.. قال سابقا ان موازنة 2021 هي الأصعب على الأردن، ولم يشهدها منذ الكساد الكبير في عام 1929 أي قبل ما يناهز قرنا من الزمان تقريبا.
وذلك بسبب جائحة كورونا،التي قال عنها، انها ليست كارثة أو أزمة صحية فحسب، بل هي أيضا أزمة اقتصادية ومالية وإجتماعية عالمية كبرى .
الى ان قال... فالحال يتطلب منا جميعا بذل أقصى طاقاتنا لتعزيز قوة ومنعة الدولة الأردنية بمؤسساتها الراسخة، لتمكينها من تجاوز التحديات وتحويلها الى فرص، كما هو ديدن هذا الوطن.
ثم ذكر الوزير ان أبرز ملامح موازنة عام 2021 ومرتكزاتها بشفافية تامة.. انها اتسمت بطابع تنموي لا انكماشي، وهذا في الحقيقة يتوافق مع ما يتطلبه الوضع الراهن للاقتصاد الوطني الذي يعاني من انكماش غير معهود في النمو الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة لمستوى غير مسبوق، وتراجع الطلب الاستهلاكي والاستثماري، ومعدل تضخم صفري، الأمر الذي يشير الى الحاجة الماسة لزيادة الانفاق الحكومي في سبيل تحفيز النشاط الاقتصادي .
بالرغم من اتساع العجز في عام 2020 بسبب عدة عوامل، كانت جائحة كورونا في مقدمتها، قال وزير المالية.... إلا أن الواقع الإقتصادي يحتم علينا أن نتعامل مع الإنكماش الإقتصادي بحكمة، وبآلية معاكسة للدورة الاقتصادية، حتى لا يتعمق الإنكماش ويتحول إلى واقع مزمن ذو أثر سلبي هيكلي.
ثم قال.. ففي مثل هذه الظروف، فإن الأولوية لخلق الوظائف، والنمو الاقتصادي هو السبيل الوحيد لذلك، والموازنة العامة هي إحدى الادوات الرئيسية للتهيئة لذلك.
خلق الوظائف امر محمود ومطلوب، لكن اين ستكون تلك الوظائف اهي في القطاع العام، ام في القطاع الخاص؟
وما هي خطط الحكومة للتشغيل؟
لم اسمع في بيان الموازنة او في الرد على ملاحظات النواب، ما يشير الى توجه نحو الاقتصاد المستدام، صناعيا او زراعيا على الاقل.
وهل سيتحقق النمو الاقتصادي من خلال اقرارا الزيادات على الرواتب، ورفع مخصصات صندوق المعونة الوطنية.. التي ذكرها الوزير مثلا..؟
سمعت في بيان الحكومة ، انها توجهت في عام 2021 إلى زيادة الانفاق الرأسمالي، ولم اسمع عن نية للتوجه لايجاد سبل للاعتماد على الذات، لدعم الخزينة، او عن نيتها للاستفادة من بعض المصادر الطبيعية، كالنحاس مثلا، او عن نية لإعادة الشركات التي تم خصخصتها، الى حاضنة الدولة مثلا.
بعد مارثون الخطابات النيابية، التي امتدت لنحو اربعة ايام، تحدث خلالها نحو 111 نائبا، سمعنا من بعضهم عرضا، للبلاغة والاستعراض الخطابي، فيما سمعنا من البعض اشارات عن تجاوزات على المال العام، وضرورة وقف تغول صندوق النقد، ولكن لم اسمع عن خطط وبرامج اقتصادية، تغير الحال وتوقف نزيف المال العام، او تؤدي الى الاعتماد على الذات، وبالتالي وقف تغول صندوق النقد، وكل الجهات المانحة، واكثر ما سمعته هو تلك المطالبات للدوائر الانتخابية، وهي مطالب حق ولكنها تحتاج الى اضعاف موازنتنا، لتحقيقها على ارض الواقع.
قبل التصويت على مشروع قانون الموازنة، وموازنة الوحدات والهيئات المستقلة، بين وزير المالية ان السبب الرئيسي، لعجز الموازنة هو الإعفاءات الضريبية والجمركية غير المجدية، وبسبب ضعف الايرادات التي نتجت جراء جائحة كورونا.
والسؤال هنا.. لماذا لا يتم تدارك الخلل منذ بدايته، ولماذا ننتظر عاما كاملا او اكثر، لنقول ان الاعفاءات الضريبية والجمركية امر بات غير مجدي!
لماذا... لا يتم بيان تلك الاعفاءات وجهاتها.. التي تعددت منذ امد بعيد وقبل ان تقع الفاس في الرأس كما يقال!
المهم انه.. جرى التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة، ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية لعام 2021، متضمنا عجزا مقداره 1.970 مليار دينار، وقد اقر المجلس ذلك، وصوت عليه بالاغلبية.
كنا قد طالبنا مرارا.. بان تعاد الهيبة والثقة لمجلس النواب، من خلال الحزم في الرقابة والتشريع، وهنا اقول...
كيف يصوت الاغلبية من النواب على مشروع قانون الموازنة العامة، وهناك هيئات ومؤسسات منذ ان فرخت خارج الجسم الحكومي، وهي دائمة العجز في ايراداتها، فاين المحاسبة والمعالجة حتى لا يتكرر العجز في كل عام؟
والسؤال الآخر الى متى ستبقى هذه الهيئات والشركات والسلطات، خارج الجسم الحكومي، واين وعود بترشيق الجهاز الحكومي؟
ثم كيف يصوت الأغلبية من النواب، على قانون الموازنة العامة، وهناك مخالفات مالية وإدارية، وجرائم اعتداء على المال العام، اشار اليها بعض النواب أنفسهم في مناقشاتهم لمشروع القانون، او كتلك التي كشفتها تقارير ديوان المحاسبة في موازنات سابقة؟
ولم تتطرق الحكومة في بيانها او ردها، الى ما يشير عن جديتها بمعالجة كل تلك الابواب والنوافذ والشقوق، التي يتم من خلالها استنزاف المال العام.
ولم تعلن الحكومة نيتها وجديتها، عن وقف استنزاف المال العام، من خلال اعادة تعديل بعض الانظمة، التي شرعت لبعض الوزراء، ما يسمى الاوامر التغييرية، او الاعمال الإضافية.
ترى هل يعلم السادة النواب.. الذين صوتوا بالموافقة على قانون المجلس، ان هناك ديونا تحت مسمى.. مشكوك في تحصيلها... بعشرات الملايين إن لم تكن اكثر... كما في ص 28 من تقرير ديوان المحاسبة وغيرها، وان هناك ديونا مستحقة تبلغ مئات الملايين لم يتم تحصيلها!
وهل يعلم السادة النواب.. انه تم صرف مبلغ 6826781 دينار كمكافات لموظفي احدى الوزارات في سنة واحدة وبغير وجه حق؟
ومذكرا.. انه بالأمس القريب، بثت قناة المملكة تقريرا عن واقع مرير،أجرت من خلاله حديثا مع احد النواب ، للحديث عن عطاء لطريق خدمي، يربط مدينة اربد بلواء الكوره، مضى على طرح ذلك العطاء (7)سنوات،وقد تم اضافة ما يسمى بالاوامر التغييرية اضعاف قيمة العطاء، ومع الاسف، لم ينتهي العمل بذلك العطاء، ولا تزال المعاناة على اشدها..
أعود.. الى ما قاله وزير المالية سابقا.. لأقول..
لاجل تعزيز قوة ومنعة الدولة، وتمكينها من تجاوز التحديات، ورد في نية الحكومة التقدم لمجلس الامة بقانون يسمى التجنب الضريبي، ولم يرد في نية الحكومة، التقدم الى مجلس الامة بقانون معدل لقانون العقوبات مثلا، ليشتمل على تعديلا، لتجريم الاعتداء على المال العام، ورفع العقوبة لتكون الاشغال الشاقة المؤبدة، على الأقل ولا اقول بالإعدام، لكف اليد الحرام عن العبث بالمال العام وصونه من كل اللصوص والسارقين.
تكرار اقرار الموازنات وعلى نفس النهج ، وتكرار بيان المخالفات وجرائم الاعتداء على المال العام، التي يكشفها تقرير ديوان المحاسبة، والحديث عن النمو الاقتصادي يذكرني بالمثل الشائع.. كمن يعبئ الماء بقربة مثقوبة،... يتكرر تعبئة الماء..وفي كل عام .. ولكن القربة مثقوبة... فإلى متى سنبقى ضمأى.... ؟
واقول للسادة النواب... هناك أيضا مثل يقول... (كمثل من يملاء الماء في الغربال) ، بمعنى ان هناك ماء وفير في بئرنا او أبآرنا، بفضل الله، ثم ببركة بعض الصالحين والصادقين، ولكن حتى نرتوي جميعا.. يجب ان نغير ادوات ادارة الماء وادوات السقيا، لأن الغربال في طبعه ليس وسيلة للسقيا، وإن اصر البعض على بقاءه... نعم سيتبلل.. هو وربما بعض الايدي التي تتعامل معه، لكنه لن يسقي الجميع.
وسلامة تطولكم..