شعبان يكتب عن احالته على التقاعد المبكر: حتى لا يصبح الرزق مانعا للمطالب المحقة
كتب رئيس فرع نقابة المعلمين الأردنيين في المفرق، الاستاذ عمر شعبان -
بداية أرجو ان لا يفهم من كلماتي أي رغبة بالعوض، أو المساندة، فإن كرامة النفس وعزة العطاء تأبى التنازل إلى ما دونه، وإن مسلك اليد العليا يأبى الاستفال، وإن ما أذكره هنا عرض لنموذج معلم ونقابي ورئيس فرع، لحق به الإيذاء كأشد ما يكون من لحظة التفكير بخوض غمار التجربة النقابية المباشرة بعد سنوات من الإسناد لفرسان ما وهنوا وما استكانوا، منهم من ينتظر، ومنهم ألمت الدموع بنائحاته وثكلاناته، ولن أتحدث الآن عن حصار تشكيل الكتل في العام 2019 م، ومنذ البدايات، فولدت الوفاء من رحم العزيمة في الليالي الكالحات، وصقيع الحصار، ومرورا بعقبات كؤود اثناء الحملة الانتخابية، والانتخابات ذاتها، الحقت الجراح بشعورنا، وطعنتنا في في مقاتل، لا تحمل ألمها الجبال الصماء ولن أسهب في الحديث عن تجربتي النقابية ومحطاتها لأن وقتها سيطول، ولكن ميدان المعلمين في النهاية قال كلمته في خضم الضغوطات وتم انتخابي رئيسا لفرع المفرق، والجميع من المقربين من زملائي يعلم أنني لم أكن متعطشا للمكاتب والمكاسب، ولكنها الرغبة في خدمة زملائي وتقديم نموذج حقيقي للعمل النقابي في فترة حرجة، ولن يمر حدث أو كلمة دون توثيق، ولكنه قادم بإذن الله بالأسماء والمسميات والأحداث، واقتصرت هنا على ملابسات التقاعد المبكر وآثاره، مع إيماني التام وهذا ما صرحت به مرارا: أن الوظيفة اضيق أبواب الرزق، وأن الرزق في السماء، غير أن القدر لله، ومنا بذل الأسباب، وأنني لو أحكمت قبضتي على الكابوسة -وهي مقبض المحراث- لربما كان المال أكثر، وراحة البال أمكن، ولكنه التعليم الرسالة، وليس التعليم الوظيفة، كما يفهمه البعض، بما أنك احلت على التقاعد لم تعد معلما، ولكن التعليم حصن المجتمع قبل الأخير، فليس بعده الا الأسرة والنقابة ضمانته، وحامية بيضته.
ها أنا وثلة من زملائي وللشهر السابع على التوالي ومنذ بداية شهر 8 / 2020 منذ إحالتي على التقاعد المبكر والراتب صفر، هذه الإحالة التي تمت وأنا في سجن ماركا، واتخذ القرار في غرف بعيدة عن مؤسستي التي شهدت ادائي معلما ومشرفا ومدربا، وفي عمى عن الحق والحقيقة والمعايير المهنية القيمة، وبحثت القطط السمان عن نقاط تضعفنا فلم تجد سوى قوت العيال، ظانين بتفكيرهم المادي الأقرب الى البلاشفة، الذين ظنوا أن أقصى ما ما يردع النقابي هو جيبه وبلغته التي يتبلغ بها تكاليف الحياة، وأثقال المعاش المتنامي في ظل الظروف الصعبة.
فمن أدب الحروب الشريفة البواعث -ونحن لسنا في حرب- أن لا يجهز على جريح، ولكن بعد التنكب الحكومي لجوانب متعددة من الاتفاقية الموقعة مع نقابة المعلمين، والتي طالت نظام الرتب، ووقف العلاوة، والحظر، وما تبع ذلك من إجراءات مست إرادة المعلم المتمثلة بالنقابة وهيئاتها، التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، والسجون والاعتقالات والكفالات والغرامات والملاحقات، تم الإجهاز علينا بالتقاعد والاستيداع وكأن المطلوب الإذعان والانقياد إلى حتميات لا تقبلها تربيتنا وما ربينا عليه الجيل من إباءة الضيم.
ورفضت قرار التقاعد من منطلق رفض النهج القائم على الإقصاء بعد أن فشل في تهميش النقابة ومجلسها، وحتى لا يصبح الرزق المهدد مانعا من المطالب المحقة لمن أعينهم معقودة بأعيننا من زملاءنا المعلمين والمعلمات.
أما كيف تدبرت شاني المادي في هذه الفترة وسط أقساط البنك التي رفض تأجيلها والبالغة 700 دينار، ومتطلبات الجامعات، وغيرها فقد تدبرت أمري من خلال التنازل عن بعض المنجزات التي بنيت عبر سنين، لسداد الالتزامات، حيث ساندتني زوجتي الأصيلة التي ساندتني بمالها وراحة بالها، ببيع سيارتها الخاصة ومصاغها الذي حمل الذكريات اضافة لبعض المدخرات التي كانت معدة لطوارئ الزمان، وتكرم بعض الاصدقاء بسداد بعض الديون الهافية التي لم أطلبها مقالا ولكن الحال أنبأ عنها، ولا شيء سوى ذلك.
وآثرت الثبات مع بقية الزملاء المحالين على الاستيداع والتقاعد والايقاف ولم ابرئ ذمتي من الوزارة، طلبا لرضى الله، واداء للأمانة الثقيلة التي القيت على عاتقنا، علما بأن جهودنا لم تتوقف منذ القرار، رفضا له.
هذا السطر الأول الأسهل والأهون من فاتورة رئيس فرع المفرق لنقابة المعلمين الأردنيين نيابة عن معلمي ومعلمات المفرق الذين أكرموني بتمثيلهم، والأردن عموما، وربما أكون أقلهم اذىً، تتبعه سطور نقابية مغمسة بالعز الكرامة ، ووالله انني في لذة لو علمها صاحب القرار لقاتلني عليها.