فاجعة السلط : من يدفع فواتير الإهمال ؟

 
ما حدث أمس في مستشفى السلط لم يكن من قبيل الصدفة السيئة أو الحظ العاثر ، بل كان نتيجة تداعيات أزمة كورونا التي واجهتها الحكومات بحلول مؤقتة عن طريق " تطمين " الناس تارةً بأن هذا الوباء سينتهي ويزول بعد فترة ، وتارةً من خلال " تخويف " الناس بأن الوباء يفتك بنا ، وبأننا بحاجة الى وضع قوانين صارمة أدّت الى الإضرار بالمواطنين بطريقة أو بأخرى .
ناهيك عن أن مستشفى السلط رغم حداثة افتتاحه نسبيا ( آب ٢٠٢٠ ) ، ترددت حوله شكاوى المواطنين بسبب تواضع خدماته الطبية وعدم جهوزيته التامة الى ان وصل الحال بعدم قيام المسؤولين فيه على تفقد الاوكسجين في الخزانات التي يفترض ان تخضع لنظام الانذار المكبر ، اضافة لعدم اخذ ما يلزم من احتياطات لتفادي اي شيء قد يتسبب فيما حصل البارحة .

استقال وزير الصحة وتحمّل المسؤولية السياسية والأخلاقية ، وقام مدّعي عام عمان بتوقيف مدير مستشفى السلط وثلاثة من مساعديه ومسؤول التزويد في المستشفى لمدة اسبوع ، بتهمة التسبب " بالوفاة " بالاشتراك ( مكرر سبع مرات ) ، نحن نقدّر هذه الجهود ونحترمها ، لكن ماذا بعد الاسبوع ؟ هل سينتهي الاستجواب بتحميل العقاب على بعض المذنبين وإفلات بعضهم الآخر ؟ ام ستكون العقوبة مانعة رادعة وكافية " لإخماد " نار الغضب التي أُضرمت بسبب الإهمال والتقصير ؟
فمن حيث تطبيق القانون على ما جرى امس ، على الدولة مسؤولية مدنية تتمثل بتعويض ورثة المتوفيين - رحمهم الله - ، بالإضافة إلى أن مدير المستشفى وكل من يثبت تورطه في هذه الكارثة ، يتحمل المسؤولية المدنية والجنائية ، ناهيك عن التوقيف بالطبع .

لابد أن اشير هنا إلى أن الواقعة " كشفت " ما تعانيه المؤسسات من خلل اداري ،وما يعانيه المسؤولون في بلادنا من غياب التنسيق فيما بينهم ، ومن ضعف هيكلة توزيع الادوار والقرارات التي يتخذونها ومن تشابكها ايضا ، فالحكومة هنا تحتاج الى انتهاج نهج جديد في التعامل مع الازمات بشكل عام ، من خلال اسلوب مُنظّم وواضح وخالٍ من " استغفال " المواطن واستفزازه .

كما كشفت الفاجعة عن واقع الادارة العامة ، وما تعانيه من " ترهّل " وبيروقراطية ، ومشكلة في التعيينات واستقطاب الكفاءات ، وربما من فساد احيانا .

أرجو أن يكون " الموت " الذي صدمنا البارحة في مشفى السلط ، كافٍ لإيقاظ ضمائر المسؤولين وموظفي القطاعات العامة ، الصحية وغيرها ، وجعلهم يستبدلون الإهمال والتقصير وفكرة أنَّ واجبهم ينتهي بانتهاء ساعات العمل الرسمية ، بالحزم والعزم ووضع ارواح الناس وحقوقهم نصب أعينهم ، لكي ننتصر في هذه الحرب الضروس ضد الوباء ، ولا نفجع ونحمّله المواطن ما يفوق طاقته بكثير .