أطفال متلازمة داون.. للقلب عيون تبصر المحبة

تعلمنا في المدرسة أنه عندما يسقط الضوء على الأجسام فإنه ينعكس على العين، حيث تتجمع هذه الأشعة في القرنية وبالتالي تحدث عملية الرؤية.
لكن الاعتقاد بأننا نستخدم عيوننا فقط لرؤية العالم هو أمر غير صحيح، فبالنسبة لبعض الأشخاص مثل أديبة دودين، فإنها تستخدم قلبها أيضًا لترى العالم به.
الفكرة
جاء إلهام هذه اليافعة لمشروعها المدرسي عندما كانت تتدرب في حضانة والتقت بالطفل يحيى الذي كان يعاني متلازمة داون، وكان يرسم دومًا على الورق، تستذكر أديبة وتقول: "لقد رأيت فنانًا صغيرًا وشخصًا نشيطًا ومبدعًا ذا شغف للرسم”. دفعه شغفه للرسم إلى الإمساك بالأقلام الملونة في الروضة والرسم بها على الورق الأبيض. تبتسم أديبة معلقة: "كان يضيع في عالم الأشكال والخطوط الملونة التي كان يرسمها”.
كانت أديبة البالغة من العمر 15 ربيعًا حينذاك من الأشخاص الداعمين ليحيى، تشجعه دائمًا. بعد التشجيع كانت تشرق الابتسامة على وجه يحيى تمامًا مثل الابتسامة والضحكة التي كان تظهر في الأوجه التي كان يرسمها بأقلامه الصفراء على الورق. إلا أن خجله منعه من مشاركة أعماله الفنية الحيوية مع العالم حوله، لكن هذا لم يغير حقيقة نظرة أديبة له كفنان رائع.
بداية الطريق
من خلال الاستلهام بتجربتها مع يحيى، اختارت أديبة فكرة لمشروعها المدرسي لتكون "تحسين الحالة العاطفية لدى الأطفال الذين يعانون متلازمة داون”. اشتقت طريقًا صعبًا، حيث قامت بالتواصل بمراكز لمشاركتهم فكرة مشروعها. تقول "أحبطت جدًا لردة فعل الكثير من هذه المراكز إذ عاملوني كطفلة لا تدرك ما تفعل.. وبعد ثلاثة أشهر من المعاناة، تواصلت مع مركز بدوة للتربية الخاصة، وتعرفت على سجود (15 عامًا) وهشام (7 أعوام)؛ فتاة وفتى يعانيان متلازمة داون ويعبران عن أنفسهما من خلال الرسم، فنانان مثل يحيى بالضبط، يستمتعان بالحياة من خلال إطلاق العنان لإبداعهما والرسم بأقلامهما الملونة على الورق الأبيض ليصنعا رسومات.
لنبدأ معًا
عندما التقت أديبة مع سجود وهشام، كان كلاهما يرسم. قامت أديبة بنقل الرسمتين وطبعهما على تيشيرتات ثم قامت ببيعها على أمل التخلص من "الأفكار النمطية المنتشرة في المجتمع حول الأشخاص الذين يعانون متلازمة داون”. أرادت أن تثبت أن الأطفال الذين يعانون متلازمة داون هم أشخاص قادرون ويمتلكون الكثير لتقديمه أكثر مما نتصور، كما أرادت جمع التبرعات من بيع هذه التيشيرتات لدعم مركز بدوة للتربية الخاصة والذي هو بحاجة ماسة لهذا الدعم للاستمرار.
تفيد أديبة: "عندما عرضت التيشيرتات على الأشخاص، شعروا بالدهشة عندما علموا أن الرسومات صنعها أشخاص يعانون متلازمة داون”. تضيف: "لا يحق لأحد أن يستهين بقدرة هؤلاء الأطفال، فهم أشخاص متمكنون وقادرون على فعل الكثير”. تشير أديبة إلى أن استخفاف البعض بقدرة الأشخاص الذين يعانون متلازمة داون هي حقيقة تؤلمها، "فمن الواضح أن إبداعهم وقدراتهم قد تتفوق على قدراتنا”.
حقنا في أن نؤخذ على محمل الجد
لا يستخف الناس بقدرات الأشخاص الذين يعانون متلازمة داون فحسب، إضافة إلى ذلك، اكتشفت أديبة بنفسها. عندما سئلت عن التحديات التي واجهتها عند القيام بمبادرتها، كانت أديبة صريحة حول خيبات الأمل التي مرت بها. فتقول: "عندما شرعت في البحث عن مؤسسة لأعمل معها، وأثناء تواصلي مع مزودي التيشيرتات، واجهت صعوبة في محاولة إقناع الأشخاص بالرسالة التي كنت أحاول إيصالها، فقد قضيت وقتًا طويلًا أجري مكالمات وأرسل رسائل لدفعهم على أخذي على محمل الجد”. تجربة هذه اليافعة تثبت أن الشغف والنية الحسنة ليسا الأمرين الوحيدين اللازمين للنجاح، فأديبة قد نجحت من خلال عملها الجاد ومثابرتها ورغبتها في التعلم.
رؤية الأمور بشكل أعمق مما تبصره أعيننا
لقلوبنا أعين لكننا نحتاج فقط لأن نفتحها وندعها تراقب العالم حولنا، فيحيى وهشام وسجود ليسوا مجرد أطفال يعانون متلازمة داون، علينا فقط أن نتعلم من أديبة دودين ونجعلها قدوة لنا.
سارة النابلسي
تصوير: أنستازيا القيسي
مجلة نكهات عائلية