سنوات التهرب السياسي في الاردن

 


كتب   علي السنيد - بإسف بالغ انظر الى سنوات التهرب السياسي الذي مارسناه  في الاردن عن سبق اصرار واضعنا فرصة  ان ننتقل ديموقراطيا ولتستقر المؤسسات الدستورية بدلا من ان نبقى  ندور في حلقة مفرغة من رمي المسؤولية وتقاذفها بين اطراف ومكونات عملية الحكم.

وقد وصلت مكونات الداخل الوطني الى درجة من الجفاء ونحى الخطاب السياسي الى اليأس من جهة و الى التشاتم وتبادل الاتهامات من جهة اخرى دون  اتفاق على الاولويات التي نعبر من خلالها الى الوضع السياسي الامن.

  وذلك مرده الى اننا لم نحسم خيارنا الديموقراطي رغم  مرور عدة عقود من عمر الدولة الاردنية وتباين تجربة الحكم فيها، ولكوننا ما زلنا نهرب الى الامام في كل منعطف ولا نقبل بأن تقاد العملية السياسية من خلال توازنات الشارع المعبرة عن المجتمع. وواضح ان سلسلة القوانين التي شرعت بدعوى الاصلاح في مرحلة ما بعد الربيع العربي  انما جاءت لتطويق تداعيات هذه المرحلة في الاردن وليس للتجاوب معها،  ولمنعها من ان تتكرر ثانية، وهدفت الى تجريم العمل السياسي الاردني ووضعه في دائرة الشبهة، والمس بحريات المواطنيين وارعابهم من العمل السياسي. وهو ما اثر على حركة الاحزاب.

وتم اجهاض النقلة التي كان يمكن ان نحدثها من خلال التوجه نحو  الحكومات البرلمانية، ولقي للاسف  قانون الانتخاب الذي كان بشر به بكونه اصلاحي ابان حكومة النسور - وعارضناه في حينه لانه جهوي- ذات مصير جملة من القوانين التي سبقته وادى الى  نفور الناس عن التصويت واحجام قوى المجتمع المدني عن المشاركة الفاعلة وبذلك  انهى اية امال بتطوير الحياة السياسية في الاردن. وظل الماثل للعيان من مخلفات تلك المرحلة قوانين مكافحة الارهاب، وقانون الجرائم الالكترونية وقانون محكمة امن الدولة. فضلا عن التعديلات الدستورية التي برر لها للتوطئة لمرحلة الحكومات البرلمانية.

وربما ان مجمل الاصلاحات السياسية فشلت كونها غير مدعومة بارادة سياسية هذا فضلا عن تراجع الشارع وانكفائه متأثراً بمجريات الوضع  العربي. وليس ادل على ذلك من الطريقة غير المفهومة التي اتخذتها صيغة الحكومة البرلمانية عندنا  والتي جرت من خلال المشاورات في الديوان الملكي واسفرت في حينه عن التنسيب بالدكتور عبدالله النسور رئيسا لهذه الحكومة ، وكان هو نفسه رئيس الحكومة التقليدية القائمة، وكنت قد قاطعت هذه المشاورات في البرلمان السابع عشر، وقلت في بيان منشور في الاعلام ان هذا ليس شكل الحكومة البرلمانية المعروفة في الديموقراطيات والتي لن نخترعها اردنيا، وهي تتشكل من خلال توليه الكتلة البرلمانية او الائتلاف البرلماني الذي يملك الاغلبية البرلمانية مهمة تشكيل هذه الحكومة، وذلك بطلب من رأس الدولة، وهو ما يحول بقية مكونات البرلمان الى معارضة، وهكذا تتداول عملية الحكم على قاعدة الاغلبية والاقلية البرلمانية، وتتنافس برامج الحكم، وينتقل هذا التنافس الى الشارع من خلال آليات العمل السياسي الشعبي المعروفة ، وعلى رأسها الاحزاب.

وكان الهدف من هذه المشاورات كما اشرت في حينه ليس اكثر من توريط البرلمان وتحميله مسؤولية سياسات  الحكومة التي كانت تتهيئ لقرارات غير شعبية وبالفعل ظل البرلمان في حالة استنزاف متواصلة وظل يفقد رصيده في الشارع، وفشل في ان يكون معبرا اصيلاً عن الشعب الاردني، وحاميا له، ووكيلا شعبياً كما تقتضي روح المسؤولية الوطنية.

وبعد مجيء التعديلات الدستورية التي الحقت صلاحية تعيين قادة الاجهزة الامنية بالملك مباشرة ، وهو المخلى من التبعة والمسؤولية بموجب احكام الدستور . وكنت عارضتها وتقدمت بمقترح نيابي لشطب التعديل الدستوري برغم النصائح التي حذرتني من ذلك  وقد اصررت على المقترح  الذي لم يصوت له سوى خمسة نواب .

قيل ان هذه  التعديلات تستهدف الانتقال الى عتبة الحكومات البرلمانية، وجرت التعديلات ولم ننتقل الى شيء .

ثم تركنا  صيغة المشاورات البرلمانية لعدم جدواها وتم تعين عدة حكومات بدونها وهكذا بقينا نتخبط سياسياً، ولم نحسم خيارنا الديموقراطي،واليوم يطرح مجددا تغيير قانون الانتخاب الذي ساهم بعزوف الاردنيبن عن المشاركة في الانتخابات .

  وياتي ذلك في ضوء اننا ما زلنا نخشى ان نتخذ اية خطوة سياسية حقيقية تعطي املا للاجيال القادمة. او لها القدرة على   تغيير  قواعد اللعبة السياسية  وبما يعالح مكامن وهنات العملية السياسية الجارية في الاردن واثرها على واقع الناس اليومي المعاش.

وانا اعتقد باهمية تغيير القانون ولكن على قاعدة ان يضع الاساس الحقيقي للدخول الى مرحلة الحكومات البرلمانية كما هي في واقع الديموقرطيات في العالم .  وكي لا نبقى نحرث في البحر.