حين يخالف أمر الدفاع مقتضيات قانون الدفاع



حين أدرك المشرع الدستوري ضرورة وجود استئناء لنفاذ احكام القوانين العادية فقد تدرج في هذا الاستثناء بحذر شديد، فالأصل دستوريا أن القوانين هي التي ترسم الحقوق والواجبات، فذهب باستثناءه الاول في المادة 124 ليضع مخرجا وصفه بقانون الدفاع، ثم ذهب الى الاستثناء الاشد في المادة التالية ووصفه بالاحكام العرفية، ثم وبعد استقرار الحياة السياسية وصياغة الميثاق الوطني جاء المشرع العادي بحصافة لا تقل عن حصافة المشرع الدستوري ليشرع قانون الدفاع عام 1992 وسار على نهج الدستور، فذكر على سبيل الحصر في المادة 4 صلاحيات رئيس الوزراء في حالة الدفاع و توسع فيها ضمن 13 بند تفصيلي منحه بموجبها كل ما قد يضطر الى القيام به لتجاوز تلك المرحلة الاستثنائية ابتداء من وضع القيود على الحريات ووضع اليد على الاموال وتأجيل الديون ثم الى المصادرة واستخدام القوة وغيره الكثير من الصلاحيات التي يمكن للقارئ الاطلاع عليها في النص تجنبا للاطالة، لكن المهم في القانون ان جميعها ذكرت على سبيل الحصر لان المشرع لم يرغب بتعطيل السلطتين التشريعية والقضائية بل وضع صلاحيات استثنائية لرئيس السلطة التنفيذية في مثل هذا الظرف ليلتزم بها ضمن اطار قانون الدفاع ومنحه مكنة وقف العمل بأي نص قانوني يخالف قانون الدفاع أو احكام أوامر الدفاع التي يصدرها ضمن صلاحياته المنصوص عليها.

وحيث صدر اليوم أمر الدفاع رقم 28 و تضمن في شقه الاول (تأجيل حبس المدين) وفي شقه الثاني (وقف تنفيذ الاحكام الجزائية بخصوص الجرائم المتعلقة بالشيكات) فإنه بذلك تضمن أمرين: أحدهما جاء منقوصا و لم يؤدِ مبتغى المشرع، و الآخر جاء متطرفا وتجاوز ارادة المشرع :

وعن الشق الاول: فقد منحت المادة 4/د من قانون الدفاع الحق للرئيس بأن يقرر تأجيل الديون المستحقة والفرق كبير بين تأجيل الحبس وتأجيل الدين و هو ليس جزء من كل ويختلف من حيث التنفيذ بالحجز و البيع بالمزاد و من حيث الفوائد والربا الفاحش، كما أن تأجيل الدين أمر منصوص عليه ضمن صلاحيات الرئيس و هو بذلك لن يضطر الى التدخل بشؤون القضاء و وسائل التنفيذ الجبري و غيرها، كما أنه هو الامر الذي يحقق الغاية من (نظِرة الميسرة) و ليس مجرد تأجيل الحبس.

أما الامر التالي: وهو (وقف تنفيذ الاحكام الجزائية) فإن هذا الامر مخالف لقانون الدفاع، وهو أمر قضائي بحت نظمته أحكام قانون العقوبات و ليس من ضمن صلاحيات رئيس الوزراء، وحيث أن أوامر الدفاع مناطة بما هو منصوص عليه حصرا في المادة 4 من صلاحيات واسعة متعددة فإن المشرع لم يسردها من باب اللغو بل من باب الحصر ولم يخول السلطة التنفيذية القيام بأي أمر يتعلق بالقضاء والاحكام القضائية وليس من غايات مشرع قانون الدفاع تعطيل أعمال التقاضي أو التدخل بشؤون القضاء، ولو أراد المشرع الدستوري تعطيل القضاء وأحكامه في مثل هذا الظرف لما تدرج في الاستثناءات الدستورية السابق ذكرها.

كما أن من الواجب الاشارة اليه أن نص المادة 10 من قانون الدفاع و التي نصت على أنه ( يوقف العمل باي نص او تشريع يخالف اي حكم من احكام هذا القانون والاوامر الصادرة بمقتضاه) لا يمكن قراءتها بمعزل عن المادة 4 من ذات القانون و التي حددت صلاحيات رئيس الوزراء : فإن صدرت اوامر الدفاع ضمن تلك الصلاحيات يوقف العمل بأي نص يخالفها و ليس لأمر الدفاع أن يوقف العمل بأي نص لا يتعلق بالصلاحيات الواردة حصرا في القانون و التي لا يقع ضمنها أعمال السلطتين القضائية و التشريعية، و أن تفسير النص بأكثر من حدوده قد يلغي السلطة القضائية، و التي يتوجب على أفراد مؤسسات العدالة - الواقفة و الجالسة - ان يقفوا لحمايتها من أي تغول مقصود كان او غير مقصود باعتبارها هي سفينة نجاة المؤسسات كلها.