الاعلام الاردني اثناء الازمات.. حتمية تحدي الذات والسلطة



 يومان من الصراع بين المرء وذاته العليا ، بينه و وبين غريزة البقاء لديه ، بينه وبين هواجسه ومخاوفه من جهة وضميره و اقدامه و مبادئه من جهة ثانية، ماذا علينا ان نفعل ؟ كيف يجدر بنا ان نغطي ما تم وصفه بانه محاولة انقلابية- دون جيش - على الحكم في الاردن ؟ كيف علينا ان نحافظ على مهنيتنا وتوازننا وحيادنا ، والموضوع هنا متعلق - كما يؤكد الجانب الرسمي- بامن البلد واستقراره ؟

هل المطلوب منا ان ننساق وراء الرواية الرسمية ونساهم في تبليعها للناس، وننسى او نتناسى نقاط الضعف القاتلة في تلك الرواية، ننسى عشرات الاسئلة المفتوحة التي لم يجب عليها البيان الحكومي، نتناسى التفاصيل المتناقضة في الرواية ،وكيف انها افتقرت للكثير من العناصر وظهرت هشة وغير متماسكة؟! هل علينا ان نتجاهل ايضا الرأي الاخر الذي نسف الرواية كلها؟ لماذا لا نتجاهل الرأيان معا، وبذلك نخرج من دائرة الصراع هذه ونتخلى عن مسؤولياتنا ؟!!!

طيب ، ماذا لو كنا نعتقد ان الرواية الرسمية ذاتها تشكل خطرا اكبر على امن واستقرار البلاد والعباد؟ ماذا علينا ان نكتب، وكيف سيجري التعامل مع تغطياتنا الصحفية ؟ ماذا لو كنا نعتقد ان لا خطر محدقا على امن البلاد والعباد حتى لو فكر بعضهم جديا باثارة البلبلة ، ووظِّف من قبل قوى داخلية او خارجية لهذه الغاية ، فبلادنا ليست كرتونية ، وامننا قائم على ايماننا بالدولة وحتمية بقائها ، ورهاننا مقتصر على صميمية حب الاردنيين لدولتهم ونظامهم السياسي ؟!

ليس منطقيا ان يستمر الاعلام في اوقات الازمات بأخذ الارض ، والانحناء الدائم للعاصفة ، ليس مقبولا ان يستمرئ العاملون بالمهنة تبني الحلول السهلة - الرواية الرسمية - ،ويتوقفون عن مراعاة المعايير المهنية في تغطياتهم . ليس صحيّا ان يسكت الاعلام عندما يطلب منه ذلك ! كيف نكون سلطة رقابية ، ونحن نتحرك بالريموت كنترول ؟ ! لماذا يصممون على الغاء هوامش الحركة تماما ؟! لماذا يريدون الاجهاز على الاعلام الاردني بكل انواعه ، فما قيمة الاعلام دون مصداقية وبعد ان يفقد احترام الجمهور وثقتهم ؟!

الاعلام ليس طرفا في اي سجال سياسي ، وليس معنيا بغير نشر الحقيقة ووجهتي النظر ،هذا دور الاعلام المستقل ، ولا يجوز ان يجري التعامل بحساسية مع ما ينشر ، وخاصة ان الاعلام الخارجي يتلقف القصص المهمة وينشر كل ما يتعلق بها دون اية ضوابط ومحددات، غير تلك التي يختارها هو لنفسه ، وهنا لا اقصد الضوابط المهنية و الاخلاقية (..) .

على الاجهزة الرسمية ان تدرك حجم الضرر الذي تتسبب به ،اذا ما قررت ان تستمر في تقييد الاعلام وتدجينه وتحديد هوامشه وسقوفه. فالحقيقة باتت اليوم عابرة للقيود، والحدود ، والوسائل ، والمكائد و الدسائس . ناهيك عن حقيقة انه اذا ما تم كشف المستور الذي جرى تزييفه و فشلت محاولات الفبركة و التضليل والتعتيم والتعمية ،فان الضرر حينها سيكون ابلغ و اشد .

الاردنيون اذكى بكثير مما يعتقد صناع القرار ، وهم اشجع مما يتوقعون ، لذلك تستطيع اليوم ان تقرأ مواقفهم وردود افعالهم بوضوح شديد على شبكات التواصل الاجتماعي ، هناك حيث يتبادلون المعلومة والصورة والفيديو والخبر و الموقف و وجهة النظر ، وهناك في هذا العالم الافتراضي حيث لا يعترفون بقيود السلطة ولا بروايتها غير المقنعة .

لذلك ، نحن نعتذر للناس لاننا غبنا هذه الفترة القصيرة ، لاننا ترددنا خفنا ، لاننا فكرنا بالمآلات والنتائج ،لاننا مارسنا وصايتنا على عقول الاردنيين ، واراد بعضنا ان يوجه رأيهم باتجاه بعينه ، اعتقدنا باننا بذلك نخدم المصلحة العامة وامن الوطن واستقراره . وتبين فيما بعد ان كل هذا الكلام هو محض تخيل وهوى ..