اشارة ملكية تفتح شهية دعاة الاصلاح.. هل من انفراجة في الافق؟
أحمد الحراسيس - آثار الدباس، فتاة أردنية تلفظت بعبارة عادية لا تستفز أحدا ولا تمسّ أحدا ولا تسيء لأحد، جرى تأويلها وتوظيفها وتقويلها ما لم تقصد ليصدر حكم بحبسها سنة بتهمة إطالة اللسان على الملك لأنها قالت "أبوي أحسن من الملك"، ليأتي الملك نفسه ويتصل مع السيدة معربا عن دعمه لها ولسان حاله يقول "ما الذي يحدث!!". وقد فعل حسنا الملك عبدالله الثاني إذ بادر بالاتصال مع السيدة الدباس، فقد تدارك بعض آثار الحادثة التي شغلت الرأي العام وأثارت حفيظته من مساء أمس الثلاثاء.
ومع الأثر الإيجابي الذي تركه اتصال الملك في نفوس كثير من الأردنيين الذين استهجنوا ما جرى، إلا أن الأمر لا يُفترض أن ينتهي عند ذلك الاتصال، فالعلاج يجب أن يكون جذريا في ظلّ وجود ملكيين أكثر من الملك، والحديث هنا عن تهمة "اطالة اللسان" التي يجري سجن كثير من الأردنيين استنادا إليها.
قضية السيدة الدباس يجب أن تكون نقطة انطلاق لسلسلة من المراجعات تبدأ بتنظيف السجون من كل المعتقلين السياسيين، وأن تسود حالة الهدوء والتصالحية التي طالما عُرفت عن الدولة الأردنية، وأن نفتح صفحة جديدة تنهي الممارسات التي تشي بأننا دولة أمنوقراطية وليست ديمقراطية، نريد أن تعود دولتنا إلى حالة التسامح والحرية التي كانت متجذرة في النظام السياسي الأردني، فلا يجوز أن نترك شخصا في السجن شهور أو سنوات لأنه عبّر عن رأيه!
الواجب اليوم أن نذهب نحو تعديل كافة التشريعات الفضفاضة التي يجري محاكمة الأردنيين وحبسهم استنادا إليها، بدءا من تهمة "اطالة اللسان" الواردة في قانون العقوبات، إلى قانون منع الإرهاب الذي يُحاسب الأشخاص على نوايا لا يمكن إثباتها، وغيرها من التشريعات الفضفاضة التي تمنح القاضي صلاحيات واسعة لتوقيف المواطنين بشكل ربما يكون تعسفيا.
من غير المعقول ونحن ندخل المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية اليوم، أن يصدر قرار بحبس مواطنة لأنها افتخرت بوالدها وقالت إن أباها أفضل من الملك، فهذا ما لم يحدث في زمن الأحكام العرفية، والأصل اليوم أن تلتفت مؤسسات الدولة كافة إلى دلالات اتصال الملك مع السيدة آثار الدباس، وأن يتمّ اغلاق كافة القضايا المتهم فيها مواطنون عبّروا عن رأيهم، وأن يتمّ الإفراج عن معتقلي الرأي الموقوفين بتهم غير منطقية، فالسادية الموجودة لدى بعض مراكز صنع القرار أمر طارئ على مؤسسات الدولة الأردنية، ولا يُفترض أن تكون موجودة.
الحقيقة أن بعض الممارسات والاجتهادات أصبحت تسيء لصورة الأردن والدولة الأردنية في نفوس أبنائها بشكل قد يصعب علاجه، وهنا نشير أيضا إلى ما جرى خلال الأيام الماضية من وقف بثّ مسلسل أم الدراهم الذي يجسّد شخصية مختار فاسد ينكّل بأهل القرية التي يسودها، ويحاول الاستيلاء على أراضي أهلها، وبالمناسبة هذه حكاية وقصة تكاد تكون مكررة في تاريخ الدراما الأردنية، ولا نعلم لماذا قرر أحدهم فجأة أن هذه الرواية فيها إسقاط على الواقع الذي نعيشه ويقوم بناء على ذلك بوقف عرض المسلسل!