تعديلات هيئة النزاهة .. الحكومة والنواب يحصنان الفاسدين ويطلقان رصاصة الرحمة على الحريات

أحمد الحراسيس - رغم كلّ ما أُثير عن مجلس النواب التاسع عشر وطريقة انتخابه، والتقارير التي تناولت التجاوزات التي شهدتها الانتخابات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع الصحفيين من تعليق آمالهم على هذا المجلس في الغاء تعديل الحكومة على قانون النزاهة ومكافحة الفساد، وتحديدا الفقرة التي تعتبر "نشر المعلومات الكاذبة عن أي شخص طبيعي أو اعتباري أو أي من جهات الادارة العامة" جريمة من جرائم الفساد. لتأتي اللجنة النيابية القانونية وتبدد كلّ تلك الآمال وتوقظ الصحفيين من الأحلام التي عاشوها طيلة الأشهر الثلاثة الماضية.

اللجنة القانونية، قررت اجراء تعديلات شكلية على ال الفقرة 10 من المادة ثلاث من مشروع قانون معدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد  موضع الخلاف، بالتأكيد على تجريم "كلّ من ينشر أو يتداول معلومات كاذبة عن أي شخص طبيعي أو اعتباري بقصد الاضرار بسمعته أو النيل من مكانته"، ضاربة عرض الحائط كلّ مطالبات الصحفيين ونقابتهم ومركز حماية وحرية الصحفيين ومركز رشيد ومحامون بلا حدود وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني والقانونيين الذين حذّروا من هذا التعديل العرفي وغير الدستوري!

كان الأمل أن يعكس مجلس النواب صوت الناس ويدافع عن مصالحهم، ويكون خطّ الدفاع الأول عن المال العام، وأن تكون محاربة الفساد وملاحقته وتجفيف منابعه إحدى أبرز أهدافه، لكنه لم يفعل ذلك، وذهب إلى سنّ تشريع يحمي الفاسدين ويحصّنهم من ألسنة الناس والصحفيين، وهذا ما لم نكن نرتجيه من النواب، خاصة في هذه المرحلة التي يطلب فيها الملك من الدولة ومؤسساتها "كسر ظهر الفساد".

لا نعرف ما الداعي لفرض هذا النصّ في ظلّ وجود قانون العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية؟ وكيف يذهب النواب إلى اقرار تعديل يضيف أعباء جديدة على هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، رغم أن الهيئة نفسها طالما شكت من حجم القضايا التي تحقق بها وعدم وجود كادر يكفي لانجاز تلك الملفات والقضايا بالسرعة المطلوبة، إلا إذا كان الهدف هو الحدّ من قدرات الهيئة على القيام بواجباتها.

هذا التعديل يرسّخ عدة حقائق في نفوس الأردنيين، وعلى رأسها وجود توجّه رسمي لاسكات أي صوت يمكن أن يتحدث عن الفساد الموجود فعلا في الأردن، ويشير إلى رغبة رسمية بتحصين الفاسدين، كما يشير أيضا إلى استسهال فرض القيود على حرية الصحافة وحرية التعبير والرأي، وهذا ما لن يسكت عليه الصحفيون أبدا.

أخيرا، تخيّلوا لو أن هذا التشريع كان موجودا قبل عشر سنوات وقبل أن تتمّ ادانة وليد الكردي بالفساد أو قبل اعتقال رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، كم من الأردنيين الذين تناولوا القضايا المرتبطة بهذين الشخصين في السجن؟