لماذا لم يحدث التغيير السياسي في الوطن العربي.؟


هذا السؤال كبير جدا، والأجابة عليه تحتاج إلى ندوات وخلوات تديرها عقول متجردة ومتحررة من سلطة الأستبداد والموروث المتجمد .

العقل العربي حتى هذا العصر عقل غير منتج للمعرفة بل هو متلقي ومستخدم لها وهذه أحد أكبر أشكاليات العقل العربي المعاصر..

حتى نحصل على المعرفة لابد من تغيير في المفاهيم، مثلا، بقي العالم عصورا طويلة وهو يعتقد أن الكرة الأرضية ثابتة وهي مركز الكون وبقية الكواكب والأجرام تدور من حولها حتى جاء من العلماء من يثبت العكس بأن الأرض هي التي تدور في فلك غيرها،هذا تغيير مفاهيمي أثر في باقي العلوم كما باقي علوم الجاذبية والطاقة والحركة والرياضيات والطب.قد يقول قائل هناك علماء عرب ومسلمون لهم قصب السبق في كافة أنحاء العلوم وهذا صحيح والصحيح أيضا أن هذه العلوم لم تتم مأسستها وتطبيقها في ظل الحاكم المستبد بل تم الأكتفاء بأن يكافئ الخليفة المستبد، العالم بصرة من المال إلى أن جاء غيرنا من الأمم من أخذ علومهم وطوروها وبنوا عليها.

الرسول صل الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشر عاما لم يدع يوما بدعوة سياسية بل كان تركيزه على تغيير العقيدة والتوحيد وهدم جبال الكبر والطغيان والظلال فأحدث تغييرا بنيويا في مفاهيم سكان مكة وأوجد تغييرا ثقافيا لديهم.

من مشاكل العقل العربي انه غير منتج للمعرفة وهذا ما أشار إليه بعض المفكرين العرب مثل مالك بن نبي ومحمد الجابري وغيرهم وقد سبقهم بذلك ابن خلدون.

حتى ما سمي بعلماء الصحوة الإسلامية مثل محمد عبده والافغاني والكواكبي لم يحدثوا تغييرا جوهريا مفاهيما الا بشكل بسيط،علما بأن كتاب الكواكبي عن طبائع الأستبداد كأنه كتب اليوم وفي عصرنا الحاضر.

الموروث العربي الإسلامي كتب في ظروف وبيئة وزمن من دونوه وتم ذلك في زمن الخليفة المستبد وبما يناسب الحاكم المتغلب وما إلى ذلك فهو تفكير حفظي قياسي.. لا يوجد في التفكير العربي مفردة حرية الا مقولة عمر ابن الخطاب والتي للأسف لم يبنى عليها عندما قال، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا ،، لكن يوجد في العقل العربي مفردة العدل كاقيمة بحد ذاتها،بمعنى لا مانع من ان تكون حاكما مستبدا بشرط أن تكون عادلا؟

قصارى القول لا يمكن أن يحدث التغيير السياسي الا إذا سبقه تغييرا مفاهيميا منتجا للمعرفة ومؤسسا إلى تغيير ثقافي مستعدا لقبول التغيير السياسي.