المقاطعة سلوك ،قاطعوا ترخص لكم الاسعار!
المُقاطَعة: (اسم)، مصدر قَاطَعَ، والمُقاطَعَةُ تعني الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أَو اجتماعيًّا وَفْقَ نظام جَماعيّ مرسوم.
من امثلتها مُقَاطَعَةُ الانْتِخَابَاتِ اي عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا،
او مُقَاطَعَةُ الْمُتَكَلِّمِ أي التَّكَلُّمُ أَثْنَاءَ كَلاَمِهِ، ومنها وامنياتنا ان يكون لدينا مُقَاطَعَةُ لكل البصائع والمنتجات الصهيونية، اي الاِمْتِنَاعُ عَنْ شِرَائِهَا.
وهناك مسمى المقاطعة الثانوية وتعني مقاطعة شركة او مؤسسة، بسبب تعاملها مع شركة خاضعة للمقاطعة، بمعنى أنه إذا تم مقاطعة شراء الدواجن فعلينا أن نقاطع مطاعم الشاورما.
استُمدّ مصطلح المقاطعة في العصر الحديث (بالإنجليزية: Boycott ) من اسم مدير العقار البريطانيّ تشارلز بويكوت (بالإنجليزية: Charles Boycott) في القرن التّاسع عشر؛ حيث طلب المزارعون الإيرلنديون المقيمون في أراضي تشارلز خفض إيجارات المنازل، خلال مجاعة البطاطا التي حدثت عام 1880م؛ ليتمكنوا من العيش أثناءها، وبعد رفض تشارلز لذلك، قرر المزارعون التجمّع معاً والامتناع عن أي أعمال تفيد تشارلز ومؤيديه، الأمر الذي أدى إلى خروج تشارلز من إيرلندا.
ومن صور وتطبيقات المقاطعة في عهد الدولة الإسلامية الأولى، عندما جاء الناس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واشتكوا إليه من غلاء سعر اللحم، فقالوا: سعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم!
فقال الناس: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال: اتركوه لهم -أي لا تشتروه منهم، بمعنى أنه لو ترك عند الجزارين ليوم او يومين، سيبيعونه بثمن معتدل خشية تعفنه.
ما اجمل لو نتأمل في معنى رد عمر رضي الله عنه عندما قال " أرخصوه أنتم"، ونركز على قوله"اتركوه لهم"!
بمعنى أن مقاطعة السلعة التي يرتفع سعرها عن حده، يصبح واجبا شرعيا أحياناً، اقول هذا وقد تكرر ويتكرر الجشع في كل رمضان بشكل خاص، وانفلات أسعار بعض السلع كالألبان والدواجن وبعض أنواع الخضار سابقا، بالإضافة الى الأرز والسكر حاليا وهو ارتفاع قائم ويتوسّع، وقد لوحظ هذا العام ان أسعار الدجاج قد ارتفعت بشكل مبالغ فيه، وفيه زيادة على السقوف السعرية التي وضعتها وزارة الصناعة والتجارة والتموين قبل رمضان بإسبوعين تقريبا، وقالت أنها وضعتها للتنافس دونها.... انا مو مصدق، مع العلم أن الاسعار قبل ذلك كانت بحدود ال 150 كحد اعلى،وكان الوضع "ماشي وما شاء الله حوله".
يعني بإختصار فإن الحكومة وبدلا من مراعاة حالة المستهلك التي وصلت للحضيض، هي التي تتدخل وتظلم الناس بالتسعير المرتفع.
وقبل أيام صرح وزير الزراعة بإن الوزارة تراقب أسعار الدواجن، وأنه في حال استمر ارتفاع أسعارها ستعمل على فتح باب الاستيراد للدواجن لضمان استقرار الأسعار والكميات.
في واقع الامر، لم نجد أي استقرار للاسعار، ومع الأسف
فأن أحد اهم اسباب إرتفاعات للأسعار، هو تدخل الحكومة في التسعير، الذي فتح شهية التجار على رفع الأسعار مجددا ، بالإضافة الى سوء الثقافة الشرائية لدى المستهلك.
وبالامس القريب وبعد اجتماع بين الحكومة وبين مربي ومنتجي قطاع الدواجن،وبدلا من إعادة ضبط الأسعار الى ما كانت عليه ووقف الارتفاعات، كانت النتيجة مزيدا من التسعير المرتفع أيضا والذي حدد بين 165قرشا للكيلو الواحد لدجاج النتافات و180 قرشا للكيلو للدجاج الطازج، يعني' كأنك يا أبو زيد ما غزيت ''.
من يتابع يجد أن التسعير من قبل الحكومة، وما يتبعه من تجاوزات كبيرة لتلك السقوف السعرية، هو سلوك ممنهج لفرض أمر واقع، وهو تثبيت الأسعار ثم الزيادة عليها بالتدرج.
وقد تكرر هذا بالنسبة للالبان وبعض الخضار سابقا والتي لا زلنا نشتري بعضها رغم رفع تسعيرتها المرتفعة ، والسؤال هنا.. انه ومنذ عام مضى لو أننا كمستهلكين قاطعنا أي سلعة ارتفع سعرها، هل تبقى قيد التداول او يبقى سعرها مرتفعا؟
في ثقافة الشعوب لمفهوم المقاطعة، أسرد لكم هذه القصة التي ذكرتها سابقا وأعيدها للتدبر لعلنا نستيقظ! ذهب مُواطن أرجنتيني ليشتري "طبقا من بيض” وعندما سأل البائع عن السعر، فوجد أنّ سعرها قد إرتفع عن المُعتاد، فسأل البائع عن السبب، فقال: إن الشركات المُوزّعة قد رفعت السعر!
وبهدوءٍ تام، أخذ المُواطن "طبق البيض” وأعاده الى مكانه،ثم وقف أمام البائع وقال له :-لا داعي للبيض ، أستطيع أن أعيش بدون أكل البيض؛
كذلك فعل اغلب الناس ،وبدون الجوء إلى اية حملات ،او أية إضرابات، لكنها ثقافة شعب!
شعب لا يقبل أن يبتزّه أهل الإقطاع، من بعض اهل الشركات والمؤسسات التجارية ، برأيكم كيف كانت النتائج؟
بعد مرور عدة أيام ،وفي موعد دورة توزيع المنتجات، جاء عُمال الشركات لإنزال البيض للمحال التجارية، ولكن اغلب الباعة رفضوا إنزال أي طبق بيض جديد، لأنّ اطباق البيض القديمة لم تباع بأكملها !
الشركات أصرّت على المُعاندة والرفع، ظنا أنّ الإحتجاجات ستنتهي بعد أيام قليلة، وسيعود الناس لشراء البيض كالمعتاد.
ولكنّ ذلك الشعب كان أوعى وأكثر ثقافة، فاستمروا في المقاطعة ،بل وزادوا ليقاطعوا كل المنتجات التي يدخل البيض في صناعتها، وبدأت الشركات تخسر، فأطباق البيض المتكدّسة،عرضة للتلف، والدجاج لا يتوقف عن الأكل وإنتاج البيض، فتراكمت الخسائر وتضاعفت!
إجتمع أصحاب شركات الدواجن وقرروا إعادة سعر البيض إلى سعره السابق، ومع ذك إستمرت المقاطعة، وكادت بعض الشركات أن تُعلن إفلاسها، فما كان منهم إلا أن إجتمعوا مرة أخرى وقرروا ما يلي:
– تقديم إعتذار رسمي للشعب اﻷرجنتيني في جميع وسائل الإعلام.
– تخفيض سعر البيض إلى نصف قيمته السابقة.
وحدثني صديق يقيم في امريكا قال، انه ومنذ سنوات مضت إرتفعت اسعار اللحوم وتضاعفت، فقاطع المستهلكين شراء اللحوم، وقد لاحظت ان مكان عرض اللحم في محلات البيع خاليا منها، لخوف اصحاب محلات البيع من فسادها وتعفنها، بسبب مقاطعة المستهلك لها، فكانت النتيجة ان اسعار اللحوم عادت كما كانت قبل رفعها.
وأذكر بحملة المقاطعة لبعض المنتجات كالبطاطا والبيض قبل عام تقريبا، وكيف أدى ذلك إلى إعادت أسعارها الى ما كانت عليه.
في ظل تسلط حكوماتنا المتعاقبة علينا كمستهلكين بشكل خاص، بتدخلها وتحديدها لسقوف سعرية أعلى مما كانت تباع به بعض السلع سابقا ، وتقاعسها عن مراقبة الاسواق بشكل جدي ورادع،وفي ظل ضعف مسؤوليتها ، وتسويفها عن كبح جماح بعض التجار وجشعهم، بل وبعد ان ثبت ان الحكومة شريك ومسبب رئيسي في رفع الأسعار،وخير دليل ما حصل مع منتجي اﻷلبان ومربي الدواجن، ومع تجار الخضار وبعض المواد التموينية سابقا ولاحقاً وحتى الامس.
وبما أننا نعيش أجواء شهر رمضان الخير، شهر التعبد والتدبر، والواجب أن يكون شهر إقتصاد في النفقات بعمومها، فإن يتوجب علينا كمستهلكين أن نعي تماما لمفهوم التدبير والإقتصاد في استعمال بعض الضروريات ،والمقاطعة التامة لأي سلعة يرتفع سعرها ومهما كان نوعها ،فليس لنا حاجة بها، ولا نموت بتركها او استبدالها ،بل ان مقاطعتنا وإحجامنا عن شرائها، هي أقصر الطرق وأكثرها فعالية لخفض سعرها .
ولو اننا ننتهج المقاطعة منهجا وأسلوبا في حياتنا، لما ارتفعت الأسعار على الإطلاق، فمنهج المقاطعة يقول عنه بعض الخبراء ، "لو أن الناس قاطعوا المنتجات غالية الثمن لفترة قصيرة لتكدست عند التجار بضائعهم وضاقت بها مخازنهم ولن يجدوا سبيلا، إلا بتصريفها وبأي ثمن للتخلص منها ،خشية التلف والخسارة”.
والسؤال: هل نحن كمستهلكين نطبق ما نفهمه،او ما نسمع عنه من ضرورة المقاطعة ؟
الجواب.. قطعا ليس اﻷغلب، فمنذ سنوات وأسعار السلع في المملكة ترتفع بدون توقف، والغريب في الأمر أن معظم الناس لا يتوقفون عن شراء ما يرتفع سعره، وتقتصر مواقفهم على الشكوى والتذمر من ‘جنون الأسعار’.
ولكن هذه المرة اعتقد جازما أن الوضع سيكون مختلف، وسترون واعول على وعي كل اردني حر وشريف.
هنا أذكر.. أنه في العام 2006 حينما ظهر مرض انفلونزا الطيور، الذي أرغم الناس على المقاطعة الإجبارية، إذ تراجع الطلب ثم انخفض سعر الكيلو الى اقل من 50 %،والسؤال.. هل مات اي شخص لانه لم يتناول الدجاج في ذلك الوقت مثلا ؟
الجواب... عندي وعندك!
إن أفضل رد وأنجح سلوك على ارتفاع أسعار بعض السلع، هو التدبير والتقتير أولا… ثم الرد باﻹستبدال إن وجد البديل، وإلا فالمقاطعة هي أفضل طريقة وانجح وسيلة.
والسؤال اليس باستطاعتنا كـ شعب أن نُخفّض أو نرفع سعر أي سلعة!.
نعم… بإرادتنا.. إن أردنا ذلك، فإننا قادرون على تحقيق التوازن بين الطلب والعرض ،وأنا أقدم الطلب على العرض،لأن المستهلك الذكي والواعي ،هو الذي يتحكم بالعرض،من خلال طلبه وشراءه للمنتج المناسب له نوعا وكما وثمنا،وبدون أية حملات للمقاطعة ،فقط نحتاج إلى القليل من الفهم الاستهلاكي ،”على قد لحافك مد رجليك”، والإرادة الحقيقية لمقاطعة أية سلعة يرتفع سعرها.
ختاما... أذكر برد عمر رضي الله عنه عندما قال " أرخصوه أنتم"، وقوله"اتركوه لهم"، فمتى تكون عندنا ثقافة'' خللوووه، أو خليه عندك ما بلزمني ''، والأهم هو العزيمة والإصرار، والنظر الى النتائج على مدى شهر وربما اقل !
وأقول لكل حر ونشمي.. إن أردتم أن تعود الأسعار كما كانت وربما أقل، قاطعوا، وأبدأوا بمقاطعة شراء الدواجن والشاورما والبيض،جربوها لمدة اسبوع او اسبوعين او شهر وسترون النتيجة.
وأقول أيضا'' للحكومة والتجار' بشكل خاص،''خللوها وخليها عندكم ما بتلزمنا ،واقسم بالله أنني لن آكل لحم الدجاج او الشاورما او البيض حتى تعود أسعارها كما كانت ''، فمن سيقسم معي على ذلك؟
للعلم لن نموت،وبحمد الله فالبدائل كثيرة.