معدل النزاهة: الملك يوجه.. والحكومة والنواب يتبنون ما يتناقض تماما مع توجيهاته!

أحمد الحراسيس - بهدوء تامّ ودون إحداث أي ضجّة أو جلبة، تسير دولة الكويت الشقيقة نحو تعزيز الحياة الديمقراطية وصون الحريّات العامة وحرية التعبير والرأي فيها، إذ أقرّت أخيرا فقرة تمنع الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي.

في المقابل، يعاني الأردنيون في كلّ عام من قيود جديدة تُفرض على حرية التعبير والرأي بقصد تكميم الأفواه ومنع الناس من إبداء رأيهم أو التطرق لأي ممارسة يشوبها شبهة فساد، ولعلّ آخرها ما تضمنه مشروع قانون معدل لقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من فقرة تجرّم كلّ من قدّم أو تداول معلومات كاذبة بحقّ أي شخص أو جهة عن ارتكابه أي فعل من أفعال الفساد، بل واعتبرت ذلك "جريمة فساد" تستحق المحاسبة وفق لقانون الهيئة!

اللافت، أن الأردن يشهد حديثا كثيرا عن توجهات نحو الاصلاح السياسي وتعزيز الحريات وتعزيز استقلالية القضاء، وهناك تصريحات وتوجيهات ملكية واضحة بهذا الخصوص، لكنّ الممارسة على الأرض تؤكد أن الحكومة ومن بعدها مجلس النواب ينحون اتجاها معاكسا على الإطلاق وبتناقض غير مفهوم مع التوجيهات الملكية، وهذا ما تظهره تعديلات قانون النزاهة ومكافحة الفساد، التي كانت في غالبها "لزوم ما لا يلزم".

منحت اللجنة القانونية في مجلس النواب مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد صلاحية اصدار قرار بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة ومنع سفر على كلّ من يرتكب أيّا من أفعال الفساد ليومين على أن يتمّ رفع هذا القرار خلال هذه المدة إلى المدعي العام المختص لاجراء المقتضى القانوني، وذلك بعد أن كان النصّ الأصلي يحصر صلاحية مجلس الهيئة بـ"الطلب من الجهة القضائية اصدار قرار مستعجل بذلك"، ونحن نعلم حجم تعاون السلطة القضائية مع الهيئة بهذا الخصوص، الأمر الذي يجعل التعديل غير مبرر.

كما يمنح مشروع القانون المعدل مجلس الهيئة صلاحية اتخاذ قرار بالاحتفاظ بالمشتبه بارتكابه أيّا من أفعال الفساد لمدة لا تتجاوز (48) ساعة، وفي هذا اعتداء على حريّات الأشخاص الذين لم يثبت فسادهم، إذ لا يجوز حجز حرية شخص بقرار اداري ودون قرار قضائي.

ويعتبر مشروع القانون المعدل "كلّ من قدّم أو تداول معلومات كاذبة بحقّ أي شخص طبيعي أو اعتباري أو أي من جهات الإدارة العامة عن ارتكابه أي فعل من أفعال الفساد" مرتكبا لجريمة فساد، بالرغم من كون قانون العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية وقانون المطبوعات والنشر، قد أفردت نصوصا لحماية الأشخاص من نشر المعلومات الكاذبة أو الاضرار بسمعتهم، الأمر الذي يجعل تعديل الحكومة وقانونية النواب غير لازم، ولا يرتّب شيئا غير اضافة المزيد من القيود على حرية الصحافة وحرية التعبير والرأي، والمزيد من الأعباء على هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وهذه ذات المبررات التي استندت إليها اللجنة القانونية في إلغاء بند اعتبار "جرائم المال السياسي الواردة في قانون الانتخاب" من جرائم الفساد.

ورغم وجود وحدة كاملة تتبع البنك المركزي وتختص في جرائم غسل الأموال وتملك القدرة الفنية والقانونية على تتبع والتحقيق في هذه الجرائم، إلا أن اللجنة القانونية وافقت أيضا على أن تختص الهيئة بالتحقيق في جرائم غسل الأموال الناجمة عن أي من جرائم الفساد.

لا نعلم لماذا يُصرّ النواب ومن قبلهم الحكومة على زيادة القيود المفروضة على حريّات الأشخاص وحريّة الصحافة، لكننا مازلنا نأمل في أن ينحاز النواب إلى الاصلاح بإزالة القيود المفروضة على الحريّة، خاصة في ظلّ الحديث الملكي عن ضرورة السير نحو الاصلاح واطلاق الحريات، وأن لا ينتظروا مجلس الأعيان ليُلغي تلك التعديلات العرفية وغير اللازمة، تماما كما جرى عام 2011 إبان محاولة اضافة نفس المادة وأوقفها الأعيان في حينها.