ما حجم الدمار والضرر الذي سيحصل بحال هجوم أو انفجار بمفاعل ديمونة؟



أعاد انفجار الصاروخ الذي أطلق من الأراضي السورية وانفجر بالقرب من مفاعل ديمونة في صحراء النقب، إلى الواجهة الأسئلة التي تتكتم إسرائيل على تقديم إجابات واضحة عنها، وهي ماذا سيحدث في حال تم قصف مفاعل ديمونة؟ وما مدى دائرة الدمار والضرر الذي سيحدث؟ وما إجراءات الحماية التي اتخذتها إسرائيل لحماية المفاعل؟

يعد مفاعل ديمونة الذي شيدته إسرائيل بمساعدة فرنسية في منطقة النقب الصحراوية (جنوب) خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، أشهر المفاعلات النووية الإسرائيلية.

وقد دفعت الأحداث الأخيرة المراسل السياسي للقناة 12 الإسرائيلية نير دفوري للسؤال عن مدى الأمان في مفاعل ديمونة؟ وكيف تتم حمايته وتحصينه؟ مؤكدا أن إسرائيل لن تكون قادرة على التعامل مع العواقب في حال تعرض المفاعل للهجوم.

إلى جانب منظومات الدفاعية الجوية والبرية المنتشرة بمحيط المنشأة النووية، تجري قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي مناورات سنوية تحاكي تعرض مفاعل ديمونة لهجوم صاروخي أو حدوث خلل بالمفاعل، وخلال المناورات يطور الجيش ويبتكر طرقا لحماية المفاعلات النووية الإسرائيلية من الهجمات الإلكترونية التي يشرف عليها قسم التدريب السيبراني بشعبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالجيش الإسرائيلي.

وتتكم وسائل الإعلام الإسرائيلية بأوامر من الرقابة العسكرية على الحديث عن كيفية صيانة ومعالجة المنشآت الحساسة والمتقادمة، وحتى نوعية وطبيعة الأضرار والدمار الذي قد يسببها أي انفجار أو حادث بمفاعل ديمونة.

في العقد الأخير، وفقا لصحيفة "هآرتس"، تم إجراء تحديثات كبيرة للمفاعل بهدف إطالة عمر أنظمته، ولكن في العقود التي سبقت التجديد، وقعت سلسلة من الأعطال والحوادث في حرم الأبحاث النووية، إذ يدور الحديث عن العشرات من الأعطال والحوادث التي حدثت على مر السنين، وتمحورت حول الانبعاثات المشعة من نظام التهوية، والأعطال المسجلة في المختبرات، والتلوث الشديد في نظام البخار، بالإضافة إلى ذلك، تسبب تسرب النفايات السائلة المشعة الواقعة في برك الصرف بالقرب من الطريق الرئيسي في تلوث المنطقة.

الإشعاع النووي
ويقول المدير العام السابق لوزارة الصحة الإسرائيلية غابي بارباش، إن "تسربا نوويا مثل حادثة تشيرنوبل، هو كارثة صحية بيئية لا يستطيع النظام الصحي في إسرائيل، ولا في أي مكان آخر في العالم التعامل معها".

الهواجس ذاتها عبّر عنها الرئيس التنفيذي السابق لهيئة الطاقة الذرية بإسرائيل عوزي إيلام، قائلا "من وقت لآخر كانوا يوقفون عمل المفاعل، ويفرغون كل الماء الثقيل الذي كان في المستودعات، ويمكنك الذهاب إلى المفاعل ورؤية ما يجري هناك".

وأضاف أن النظام المركزي لا يمكن استبداله والاستغناء عنه، والوعاء الصلب الضخم الذي يوجد فيه جوهر المفاعل، يوما ما لن يكون آمنا بما فيه الكفاية.

ووفقا لإيلام فإن حركة للنيوترونات تؤدي فعليا إلى رد فعل نووي كامل، إذ تطير في جميع الاتجاهات، وصحيح من حين لآخر يتم فحص المفاعل وحالة انثقابه، لكن، في النهاية، في وقت ما، سيأتي الشخص الذي سيقول كفى.

وأشار إلى أن إدارة المخاطر لا تعمل وفقا لأعلى المعايير في مفاعل ديمونة، بما في ذلك التعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقضايا السلامة والأمان.

ولفت إلى أن الحكومة الإسرائيلية أعطت في الماضي، سكان مدينة ديمونة كبسولات وحبوبا مصممة لتقليل الأضرار الصحية الناجمة عن الإشعاع النووي، كما وزعت الكبسولات على جميع المدنيين الذين يقيمون بالقرب من معاهد البحوث النووية في ديمونة وسورك.

هلع نووي

وتحت عنوان "تشيرنوبل في إسرائيل.. هلع نووي"، كتب المحلل العسكري يهودا أري جروس مقالا، استعرض من خلاله الأسئلة التي تتمحور حول إمكانية أن تحدث مثل هذه الكارثة في المفاعل النووي الإسرائيلي، ومجمع شمعون بيريز للأبحاث النووية خارج ديمونة.

وأضاف أن الخبراء يؤكدون أن المدن الإسرائيلية لن تتضرر بشدة، في حال تعرض المنشأة لهجوم صاروخي، خاصة بظل التهديدات من قبل إيران وحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس وسوريا، أو إذا ضرب زلزال على طول الشق السوري الأفريقي.

ومع ذلك، يقول المحلل العسكري "هناك مخاوف تتعلق بالسلامة المرتبطة بمفاعل ديمونة، خاصة مع حقيقة أن المفاعل متقادم، ولم تتم مناقشة هذا علنا"، ويرجع ذلك أساسا إلى الطبيعة السرية للمنشأة، التي تنتج وفقا لتقارير وسائل الإعلام الأجنبية مواد انشطارية للأسلحة النووية.

ومضى قائلا "رغم السرية والتكتم حيال مفاعل ديمونة، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ومن أجل بث التطمينات للمدنيين، تصرح بين الحين والآخر بأن المنشآت النووية الإسرائيلية يتم تحديثها وتقويتها على بشكل مستمر، وفقا لتوجيهات وكالة الطاقة الذرية الإسرائيلية، لمقاومة أي هجوم، فضلا عن أن مفاعل ديمونة مجهز أيضًا بأجهزة الحماية والإنذار من الزلازل".

هجوم صاروخي

واعتمادا على تقرير لوكالة الطاقة الذرية الأميركية، يقدر المحلل العسكري الإسرائيلي جروس، أنه بحال تعرض مفاعل ديمونة إلى هجوم صاروخي ونجح الهجوم في اختراق الدفاعات الجوية والقبة الحديدة التي تحمي الموقع، فسوف ينثر الماء الثقيل داخل المفاعل، ويحدث انفجارات وحرائق تشتمل على مكونات وقود نووي، وتنبعث منها مواد إشعاعية، قبل أن تتحول المواد إلى سحابة طائرة مع الريح بعيدا عن ديمونة.

وأضاف أن أي حادث أو تسريب أو تفجير بمفاعل ديمونة من شأنه أن يصل حجم ودائرة الأضرار من النقب حتى تل أبيب، وهي منطقة يقطنها نحو 5 ملايين إسرائيلي، بالإضافة إلى الضفة الغربية ومن شأنه الإشعاعات أن تصل حتى مشارف قبرص والأردن كذلك".

ووفقا لما كشف عنه مردخاي فعنونو، الذي عمل خبيرا نوويا في مفاعل ديمونة من عام 1976 وحتى عام 1985، في صحيفة "صنداي تايمز"، فإن قوة المفاعل النووي الإسرائيلي تبلغ حوالي 24 ميغاواتا، وهي ليست كبيرة، لكنها كافية لإنتاج 10 قنابل نووية في السنة.

وبحسب ما سمحت الرقابة العسكرية بنشره للقناة 12 الإسرائيلية، ينتج المعهد رقم 3 قضبان الوقود التي تحرك وتشغل المفاعل، وبجانبه المعهد رقم 8، حيث تنتج إسرائيل اليورانيوم المخصب، والذي يستخدم كمادة انشطارية للقنابل، في حين ينتج المعهد رقم 9 اليورانيوم المخصب بطريقة فريدة من نوعها باستخدام الليزر، وهو تطور إسرائيلي فريد، ويعالج المعهد رقم 4 النفايات المشعة للمفاعل قبل دفنها في الأرض.

وواحد من أكثر المرافق المركزية والمصنف "سري للغاية"، وهو المعهد رقم 2 الممتد على 6 طوابق تحت الأرض، حيث تنتج إسرائيل البلوتونيوم الذي تصنع منه القنابل الذرية، كما يضم هذا المعهد أيضا غرفة التحكم التي تشرف على إنتاج وسلامة المنشأة، إذ لا يسمح إلا لقلة قليلة بالدخول إليها.

كما ينتج هيكل المفاعل الموجود تحت الأرض، في المعهد الرابع، مادة التريتيوم، وهي مادة تستخدم في صنع قنابل نووية حرارية أقوى بـ10 مرات من القنابل الذرية التي أسقطت على هيروشيما اليابانية.

ووفقا للخبراء في جميع أنحاء العالم، تمتلك إسرائيل حوالي 200 قنبلة ذرية، إلى جانب 6 دول أخرى في العالم.


(الجزيرة)