استوقفتني صورة ذلك الفتى الصنديد الفلسطيني شامخ الراس مرفوع الهامة محاط بالعشرات من علوج الاحتلال وهو يدافع عن مسرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم. واستحضرت قصة ربعي بن عامر حينما أرسله سعد بن أبي وقاص الى رستم، موافقا لرأيه حينما قال: إن هؤلاء القوم قوم تباهٍ، وإننا لو فعلنا ذلك (أي ارسلنا وفدا عظيما كما رأى سعد) يرون أننا قد اعتددنا بهم (أي: جعلنا لهم مكانة عظيمة، وأقمنا لهم الهيبة ونحن خائفون منهم)، ولكني أرى أن ترسل لهم واحدًا فقط؛ فيشعروا أننا غيرُ مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم. وكيف كانت عزته في الدخول على رستم وقومه وبث الرعب في قلوبهم.

ليس غريبا على من يقرأ ويؤمن بتلك الايات الكثيرة في كتابنا الخالد هذا السلوك، يقول تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) (المنافقون: 8). وهم حذرون من التفريط بهذه العزة حينما يسمعون خطابه تعالى ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آلعمران:139) ويستذكرون مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه :«نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله.

وما ذلت الامة ولا هانت واستبيحت دماءها وارضها واعراضها الا بسبب قال الله عنه (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ((النساء:139). فعزة المسلمين مشروطة بتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، يقول الله تعالى في سورة (المائدة:٥٤): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).

ورد اسم الله العزيز في نحو (92) موضع في القران الكريم، منها مركبا (العزيز الحكيم) في 47 موضع في 26 سورة، و (العزيز الرحيم) في 13 موضعا في 5 سور. قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين ـ العزيز الحكيم ـ في آيات التشريع والتكوين والجزاء، ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة، وعزة قاهرة.

كثيرة هي القصص التي نرفع رؤوسنا عزا وفخارا ونحن نقرؤها. فعلينا أن نربي ابناءنا على هذه المعاني التي تجعل منهم قوما اعزاء لا أذلاء، في سلوكهم وكسب قوت يومهم، وعدم سكوتهم على ظلم، واذا كان من عذاب سلط علينا، فربما كان أحد الاسباب غياب العزة والكرامة عن كثير من قياداتنا ودولنا برغم كثرتنا، وقد صدق فينا قوله عليه السلام: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت)

واختم بالقصيدة التي قالها الإمام الشافعي (وان وردت على لسان أخرين)

لا تأسفن علي غدر الزمان لطالما…. رقصت على جثث الأسود كلابا

لا تحسبن برقصها تعلوا على أسيادها….تبقى الأسود أسودا والكلاب كلابا

وتقبل الله صيامكم، وأعزكم في دينكم ودنياكم، ولا تنسونا من صالح دعواتكم.