رمضانيات 14: "فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ"
سنن الله في الكون لا تتبدل، فحركة النجوم والكواكب تسير على قوانين، واضطرابها يكون بنهاية الحياة الدنيا كطلوع الشمس من مغرها. ومنها في علوَ الأمم والجماعات، وبيان أسباب التغيير، قوله سبحانه (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).
جاء ذكر الفساد والمفسدين في القران الكريم في نحو (47) اية وفي (50) كلمة، منها: في سورة القصص (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) و (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، فالفساد نتيجة فعل الناس ومحرم عند الله. جاء اقتران ذكر الفساد في الارض أو اجزاء منها في معظم الآيات التي تحدثت عنه، للدلالة على كينونته المتعلقة بحياة البشر وفعلهم، لذا كان تخوف الملائكة رضوان الله عليهم من فعل الانسان حينما قالوا (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ). صلاح الارض قائم على اتباع منهج الله، وأي منهج بشري مهما علا يعتريه النقص والعوج ، فهو إن صلح، فإنما لزمان محدود، او مكان محدد، و لقوم خاصة دون الاخرين (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ). لذلك جعل الله الجنة ممنوحة لأصحاب العدل المصلحين (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا). وقد جعل الله سبحانه النجاة حليفة للذيم ينهون عن الفساد (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ).
ارتباط الاستبداد بالفساد ارتباط مطلق لا ينفك عنه، لذلك كان الفساد نتيجة لحكم الاستبداد بدليل قوله تعالى (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) وجاءت فاء السببية وهي التي تدل على أن ما بعدها مُسبب عما قبلها، ومُترتب عليه. والنتيجة (فصب عليهم ربك سوط عذاب). في قصة قتل سيدناَ دَاوُودُ عليه السلام لجَالُوتَ التي وردت في القران، كانت الدلالة واضحة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ ولكن اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، اذ أن أحد اهم دوافع الجهاد في سبيل الله إزالة الظلم والاستبداد الذي عاقبته فساد الارض وهلاك الحرث والنسل.
جعل الله النجاة للمجتمع من الهلاك مقرونا بقيامه بالإصلاح (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ). وجعل نتيجة اتباع كتاب الله وتحكيمه ودوام عبادته هو صلاح حال المجتمع (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). لذك فالإصلاح والحكم عليه ليس هوى ومقاسا فرديا، بل هو منهج مستقر يحدده رب العزة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْـمُفْسِدَ مِنَ الْـمُصْلِحِ). لذا لم يكن غريبا ان يأمر عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه- بإحالة دعوى الكاهن من أهل سمرقند للقاضي والتي فحواها: عدم التزام جيش المسلمين بأحكام الاسلام في الحرب. فعقدت المحكمة وحكم القاضي بخروج جيش المسلمين فخرجوا بلا شرط، واسلم بعدها أهل سمرقند لهذا العدل.
لا علاج للفساد بأشكاله كافة الا بإصلاح كافة مجالات الحكم، للوصول الى العدل والشورى ومشاركة الناس والمسائلة والمحاسبة، لذلك كان هدف وشعارالمسلم (إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ).
وتقبل الله صيامكم وقيامكم بواجب الإصلاح في كل مجالاته، ولا تنسونا من صالح دعائكم.