عن استيراد البقر الحلوب..مواجهة مفتوحة مع حيتان صناعة الالبان..وشكل الحماية التي نريد؟

 



كتب المحرر الاقتصادي - بعد أن تعرّضت دولة قطر إلى حصار استمرّ لأكثر من ثلاث سنوات، لجأت الحكومة هناك لمحاولة الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وخاصة في المنتجات الغذائية وعلى رأسها منتجات الألبان والأجبان والحليب، فكان قرار استيراد آلاف الأبقار المنتجة للحليب ، الأمر الذي ضربت فيه قطر عصفورين بحجر واحد؛ تحقيق الاكتفاء الذاتي والحفاظ على القرار السيادي و العملة الصعبة .

دول المنطقة والعالم عاشت ظرفا مشابها للحالة القطرية ، حيث اضطرت  الغالبية العظمى من دول العالم لاغلاق حدودها تماما لمواجهة جائحة كورونا .. في الاردن قيض لنا الله ، وبدون منّة من الحكومة او غيرها ، ان تشبث المزارع الاردني بأرضه و مهنته رغم كل العقبات والاهمال والتطنيش الحكومي ، وكان ان انقذ هؤلاء المزارعون الوطنيون الدولة الاردنية في ازمة  لم نشهد لها مثيلا من قبل  ،فمرت ايام الاغلاقات والحظر مرورا امنا الى حد كبير .. اذا ، ماذا عن الدروس المستفادة ؟ هل ادركت الحكومة اهمية الاعتماد على الذات ، وضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي  على الاقل في القطاع الزراعي  ؟ ، هل هناك ما يمنع ان تقرر الدول من جديد اغلاق  معابرها ومنافذها الحدودية ،  اذا ما اجتاحت العالم موجة جديدة من الفيروس باحدى تحوراته ؟  

سقنا هذه المقدمة الطويلة، لنتحدث عن  احدى اهم التحديات التي تواجه الاقتصادي الاردني والمتعلقة بملف استيراد الابقار المنتجة للحليب  ، وتلك المعركة المحتدمة بين اطراف العلاقة في هذه المسألة ، بين مطالب بفتح باب استيراد الابقار على مصرعيه نظرا لحاجة السوق الماسة لمنتج محلي بجودة عالية ، لا سيما اننا نستورد من الخارج ما يقارب ال ٣٧٪  من معدل استهلاكنا من  مشتقات الحليب ،وبين معارض شديد لفكرة فتح باب الاستيراد الذي اغلق في ظروف خاصة في العام ٢٠١٨ ..


هذا الواقع الصعب والمعقّد يستوجب تدخلا حِرفيا ودقيقا من قبل الحكومة من أجل تحقيق المصلحة الاقتصادية الوطنية العليا، بما يضمن حماية جميع  أطراف المعادلة ، وعلى رأسهم المواطن "المستهلك"، الى جانب التركيز على  كسر الاحتكارات ، و وقف تغول حيتان القطاع على صغار المزارعين وجيب  المواطنين .

المريح ، أن وزارة الزراعة، اختارت التدخل، وحماية القطاع و مضاعفة انتاجه ، اختارت  أن لا تبقى متفرّجة على المواطن الذي بات يعاني الأمرّين جرّاء ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته، وذلك في الوقت الذي  تتذرّع  فيه شركات تصنيع الألبان بأنها تعكس ارتفاع كلف الانتاج على المستهلك، وعليه، جاء قرار السماح باستيراد (1500) رأس من الأبقار.

المشكلة في قرار الوزارة، أنه حصر الاستيراد بشركتين، وكان الأصل السماح بالاستيراد لكافة منتجي الحليب بما فيهم الأفراد، وأن لا نحصر القرار بشركة أو شركتين.

ووسط كلّ هذا، و رغم وجاهة قرار فتح باب استيراد الابقار ، ظهرت بعض الأصوات المعارضة للقرار  بذرائع مختلفة، جاء في مقدمتها رغبة دعاة الاغلاق بحماية صغار مربي الابقار ومنتجي الحليب ، والحيلولة دون اغراق السوق وزيادة العرض على حساب الطلب. وهي المسوغات التي تبين بالتجربة انها لم تراع صغار المربين ولم تساهم في تخفيض الاسعار وزيادة الانتاجية .

الحماية التي نريد ..

الواقع يقول إننا نستورد ثلث احتياجاتنا من الحليب ومشتقاته من الخارج ، بمعنى اننا ندفع  بمخزوننا من العملة الصعبة لشراء هذه المواد سنويا ودون ان يكون هناك مخطط او مشاريع توقف هذا النزيف وتوفر الكثير من فرص العمل،  وهذا يدفعنا للسؤال عن اسباب تمسك البعض بفكرة الحماية و منع استيراد المزيد من الابقار الحلوب ! لماذا نوقف استيراد الابقار  ونحن بحاجة لانتاج كميات كبيرة من الحليب ومشتقاته  ؟! لماذا لا نقوم بحماية انتاجنا من الحليب ومشتقاته عن طريق وقف استيراد هذه المواد من الخارج  ، بدل وقف استيراد الابقار التي تنهي حاجتنا للاستيراد تماما ، وتوصلنا الى الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي الذي نريد  ؟ 

الجدير بالذكر، أن الوزير الحنيفات الذي أصبح وزيرا عام 2016، كان هو  من اتخذ قرار منع استيراد الأبقار في عام 2018، وقد كان القرار ينصّ على استمرار منع الاستيراد لمدة سنة واحدة فقط ، يُعاد بعدها تقييم الوضع، إلا أن القرار ظلّ ساريا لثلاث سنوات -ربما لعدم رغبة وزراء الزراعة في دخول معارك مع منتجي الحليب- حتى ارتفع سعر كيلو الحليب إلى (55) قرشا، وانعكس ذلك بشكل مباشر على سعر مشتقات الحليب من ألبان وغيرها. وهو ذاته الذي قرر مؤخرا العودة عن قرار منع استيراد الابقار ، لحاجتنا الماسة لمضاعفة انتاجنا وصولا للاعتمادية الذاتية والاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي . 

الزراعة توضح.. 

مساعد الأمين العام لشؤون الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، المهندس علي أبو نقطة، قال إن الوزارة أجرت دراسة شاملة قبل السماح باستيراد الأبقار من الخارج، وقد شملت الدراسة حاجة السوق المحلي ومدى تأثيرها على انتاج الحليب المورد للسوق المحلي، مشيرا إلى أن جميع المعطيات كانت تؤكد عدم تأثير القرار على الانتاج والأسعار بالنسبة لصغار المزارعين.

وأضاف أبو نقطة لـ الاردن24 إن عدد الشركات التي تقدمت للاستيراد ثلاث شركات  ، وتمت الموافقة على استيراد (1500) رأس توزعت بين شركتين؛ بواقع (1000) للأولى و(500) للثانية، لافتا إلى أن احدى الشركتين  تصدّر جميع منتجاتها إلى الأسواق الخليجية.

وأوضح ابو نقطة   أن حاجة المملكة من الحليب تبلغ نحو 650 ألف طن، والانتاج المحلي من الحليب يقدّر بنحو 488 ألف طن، فيما يتمّ تغطية حاجتنا على شكل حليب سائل وأجبان وجميد من الخارج، مؤكدا أن الكميات التي تنتج محليا غير كافية وبخاصة في أشهر الصيف، نظرا لانخفاص الانتاج وعودة المغتربين.

وبيّن أن الوزارة درست الفرق بين الأسعار في حال نقص الحليب، فوجدت أن الأسعار سترتفع بشكل تلقائي على المواطنين نظرا لعدم وجود منتجات بالسوق، وفي هذه الحالة ستلجأ الشركات إلى استخدام حليب البودرة سواء أمام أعين الجهات الرقابية أو خارجها، مجددا التأكيد على أن السوق يستوعب المزيد، نظرا للحاجة الفعلية للحليب والأبقار أيضا للاستخدامات المتعددة، لكن الوزارة فضلت الحفاظ على صغار المزارعين.

العلاقمة يرد

من جانبه، قال رئيس لجنة الزراعة في مجلس النواب النائب محمد العلاقمة، إن اللجنة ترفض فتح باب الاستيراد حفاظا على صغار المزارعين والانتاج المحلي وللمحافظة على عدم اغراق السوق بمنتجات الحليب.

وأضاف العلاقمة لـ الاردن24 إن اللجنة لا تعلم سبب فتح باب الاستيراد في ظلّ ظروف الجائحة وعدم وجود ضرورة لذلك، نظرا لتراجع الطلب على الألبان والأجبان بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.

وتساءل عن سبب فتح باب الاستيراد عام 2015 أثناء وجود وزير الزراعة الحالي خالد الحنيفات وكذلك في العام الحالي أثناء عودته لتولي حقيبة الزراعة.