رمضانيات 17 : “يوم الفرقان”
"يوم الفرقان”
في مثل هذا اليوم 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، 13 مارس سنة 624 م كانت معركة بدر الكبرى، اولى وأهم معركة في التاريخ الاسلامي، بأثرها لما بعدها، وليس بعدد المشاركين، لذلك سميت بيوم الفرقان (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير).
كانت عدة المسلمين وعددهم قليل (313 رجلا، معهم فَرَسان وسبعون جملاً)، امام عدة العدو وعددهم الكثيرة (950 رجلا، معهم مئتا فرس)،حيث سجلها رب العزة قراناً يتلى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) خاضها المسلمون ولم يمض على تأسيس الدولة الاسلامية سنتان.
تؤكد معركة بدر الكبرى جملة من الحقائق، منها:
- أن النصر من عند الله، يمنحه لعباده المؤمنين بعد استكمالهم ما يستطيعون من الامكانات، ثم يتوجهون له بالدعاء، حينها يكون المدد الالهي (اذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وحينما يعلم الله صدق عباده واخلاصهم له يكون المدد بعشرة بأضعاف من حيث الكم وبما لا يدرك من حيث النوع والفاعلية، في الحديث (هذا جبريل آخذُ برأس فرسه عليه أداة الحرب).
- ان نشر هذا الدين وتمكينه هدف يسموا على كل الأهداف، فلا يحده مكان ولا قلة حال ولا قرابة دم أو مصلحة، فقادة المسلمين يبارزون قادة المشركين وكلاهم من قريش. فقتل حمزة عتبة، وقتل علي شيبة.
- أن النبي عليه الصلاةوالسلام اخذ برأي جنوده، فقد أشار الحبُاَبُ بن المنذر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، وأخذ برأيه.
- أن المعركة كانت أول معركة في صدر الاسلام مع العدو الوحيد انذاك الذي كان يهدف لاجتثاث هذه الدعوة، لذلك كان الرسول يدعوا ويناشد ربه بقوله ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بالأرض ابدا).
تعود هزائم العرب في العصر الحديث لجملة أسباب منها: انهم نسوا الله فنسيهم، واعتمدوا على شرق أو غرب في عدتهم وسلاحهم، فتركهم الله لما ركنوا اليه، وتفرقوا واختلفوا، ولم يقيموا العدل بين الناس، وكما قيل: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة. لذا كانت وصيته عليه السلام لأصحابه بالهجرة هربا من الاذى والظلم الى الحبشة (إن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا). ولعظم هذا الناموس فقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان: (الظلم مؤذن بخراب العمران).
أذا أردنا أن تنتصر الأمة في معاركها، فعليها التزام منهج الحق (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم)، وأن تولي امورها خيارها (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، وتوحد صفها (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وتقيم العدل في ارضها (إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل)، وتعتمد على ذاتها (خير من أن يأكل من عمل يديه)، ثم تلجأ الى الله بالدعاء (اذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ)
ما احوجنا أن نعي تلك المعارك الكبرى، ونصوب حياتنا بما أمر الله.
وتقبل الله صيامكم ونصرتكم لدينه في كل أمر، ولا تنسونا من دعائكم.