رمضانيات 18 : “الذين أمنوا وعملوا الصالحات”
لا يكفي الايمان وحده لتجنب عذاب يوم القيامة، بل بحاحة للعمل الصالح والاستقامة في السلوك، وقد جاءت سورة العصر للتأكيد على هذه الحقيقة، وقد قال عنها الإمام الشافعي رضي الله عنه: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم، وقد جاء وصف المؤمنين مقرونا بالعمل الصالح في مواطن كثيرة من القران الكريم، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). والحديث الشريف يوجه ويلخص هذا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي فِي الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ : قُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَتَّقِي، فَأَوْمَأَ إِلَى لِسَانِهِ ). فالمؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته (أهدنا الصراط المستقيم ) ولا يتحقق الدعاء دون السير في طريق الاستقامة. وكما هي مطلوبة للأفراد، فهي مطلوبة من الانبياء كذلك، لذلك خاطب سبحانه وتعالى نبيه (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك)، وفي حق موسى وأخيه عليهما السلام (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما )
الاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، تدل على الاعتدال وعدم الاعوجاج، ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات كلها. إنّ كل نشاطات المسلم إن لم تكن الاستقامة مرافقة لها فلا قيمة لها إطلاقاً، بل ينقلب الدين إلى ثقافة، أو إلى عادات. ولما كانت طبيعة الإنسان النسيان والتقصير، وبالتالي خروجه عن الاستقامة، كان علاج ذلك الاستغفار والتوبة (فاستقيموا إليه واستغفروه )، ومن ثم المبادرة بالعمل الصالح، قال صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
الاستقامة حالة فردية وجماعيية، فهناك جوانب لا تتم الاستقامة بها على المستوى الفردي، ولا تحصل ولا تنتج إلا على المستوى الجماعي، والدليل على ذلك قول الله عز وجل ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا)، لذلك فإن مما يساعد في الاستقامة اختيار الصحبة الصالحة، قال تعالى (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). لذلك كانت ثمرة الاستقامة الجماعية هي رغد العيش، قال تعالى (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً). الاستقامة مطلوبة بجوهرها إن بانت، واتجاهها إن اختلطت، قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا)، فالسداد هو الوصول إلى كبد حقيقة الاستقامة، والمقاربة الاجتهاد في الوصول إلى السداد والقرب منه.
حال الأمة بمجموعها معوج بعيد عن طريق الاستقامة، وحال كثير من الافراد بسلوكهم ليس بعيدا عن ذلك. والنتيجة واضحة لا تحتاج لكثير بيان: من احتلال واحتراب وفساد وظلم وتخلف وفقر. والطريق للاستقامة واضح وضوح الشمس، قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والبداية لسلوك هذا الطريق (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ثم فهم وتطبيق سورة العصر في العمل الجماعي الذي يستلزم التواصي بالحق والتواصي بالصبر. (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقد قدم الله واجب الامر بالمعروف على الصلاة لتأكيد أهميته ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ)
وتقبل الله صيامكم واستقامتكم على نهج الحق وصبركم عليه، ولا تنسونا من صالح دعائكم