لماذا الاصرار على الخطأ والامتناع عن الإصلاح؟



الخروج من قمقم رد الفعل الى فضاء الفعل هو ما يفتقد إليه الأردنيون في واقعهم الحالي، وما يجب أن يسعوا الى الوصول إليه في مستقبلهم. فاقد الشيء لا يعطيه، واذا ما أصر الأردنيون على اتباع نهج الرضوخ والانصياع لإرادة وضغوط الطبقة الحاكمة، فإن مستقبلهم سوف يكون بكل بساطة استمراراً لواقعهم السيء.

القدرة على الفعل ليست منحة يمنحها الحاكم للمحكوم. فالحاكم يستطيع أن ينتهج من السياسات ما يؤدي الى وقف الفعل أو تجميده، ولكنه لا يستطيع مهما فعل أن يصدر قراراً بمنع العقل عن التفكير.

لماذا الاصرارعلى الخطأ والامتناع عن الإصلاح؟ سؤال قد يبدو بسيطاً وسهلاً، ولكن الواقع مأزوم وصعب جداً بل ويزداد صعوبة مع مرور الوقت. واذا كان هذا هو واقع الحال، فإن الاصرار على الخطأ والامتناع عن الاصلاح يعتبر جريمة بحق الوطن والمواطن، خصوصاً في أوقات يسعى فيها الجميع الى الخروج من عنق الزجاجة.

الدولة ليست ملكاً لحكامها، بل هي ملك لشعوبها، ومن هنا تنبع أهمية سيادة الدستور وحكم القانون النزيه كمدخل للإصلاح. لقد خرج الأردن مؤخراً من أزمة أثبتت فيها الأحداث غياب مؤسسات الدولة عن دائرة الفعل بما في ذلك الحكومة نفسها. وأدى هذا الغياب الى احساس الأردنيين بالفزع نظراً لغياب قنوات التواصل الرسمية مما ساهم في زيادة الاحباط بين أوساط الشعب، وازدياد حجم الشائعات نتيجة لغياب الشفافية أو المعلومات أو تغييبها. وهذا الواقع لم يلعب دوراً ايجابياً على الاطلاق بقدر ما ساهم في خلق إحساس عام بوجود فراغ وخلل في مؤسسات الحكم الدستورية، واستقواء وتغول المؤسسة الأمنية على باقي مؤسسات الدولة.

إن الواقع المرير الذي يعيشه الأردنيون والذي سجل الخلفية الحقيقية لما جرى من أحداث قد دفع الكثيرين الى الاعتقاد بأن منطق الأمور يفترض أن الاصلاح الحقيقي سوف يشكل خشبة النجاة في الحقبة المقبلة، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. وعلى العكس فقد جوبه الأردنيون بعنتريات رافضة من قبل بعض المسؤولين وبعض الأقلام القريبة من مراكز صنع القرار ترفض الاصلاح الحقيقي وكأنه مَسّْ من الشيطان أو مؤامرة على النظام وعلى استقرار الدولة! كلام عجيب وغريب لأن من لا يتعلم الدروس من تجاربه سوف يفشل حتماً في الاختبار، هكذا علمتنا الأيام.

معاداة البعض للإصلاح الحقيقي سواء أكانت تزلفاً للحاكم، أو استهتاراً بمطالب الشعب، أو عناداً واصراراً على بقاء الأمور كما هي، تعكس في مجملها بعض الأسباب الحقيقية وراء تجاهل المطالب الشعبية بالاصلاح الحقيقي. لا يوجد أي مبرر لبقاء الأمور كما هي لأن ذلك هو طريق الخراب. فالمعادلة بسيطة، إذ كلما إزداد الوضع سوءا، كلما ازدادت الحاجة إلى الاصلاح الحقيقي.

من الواضح أن بقايا الحرس القديم بالإضافة الى الحرس الجديد وحراس الدولة العميقة لا يريدون الاصلاح الحقيقي لأنه يعني فقدانهم للمنصب والنفوذ. وهم بالتالي غير مؤهلين لإسداء النصيحة الصحيحة للملك، وقد تكون الأمور من السوء بحيث تنحاز تلك النصيحة المنشودة فيما لو صدرت، الى التوصية برفض الاصلاح كفكرة وكبرنامج عمل.

نحن لا ننكر أن الأردن في وضع يمتاز به عن كثير من الدول المماثلة ، ولكن الأردن كان في وضع أفضل مما هو فيه الآن . الأردنيون يريدون دائما الأفضل لبلدهم ولأنفسهم . والمطالبة بالأفضل لا تعني الجحود أو الاستعداد للمخاطرة بأمن أو استقرار الوطن بقدر ما تعني رفض نهج السقوط المتميز الذي يسمح بتراجع الاوضاع في البلد ولكن بشكل يبقيها نسبياً أفضل من الدول المماثلة . التراجع الى الخلف سمة تتعارض ونهج التقدم وهو سنة الحياة الطبيعية . الانسان السوي يسعى الى الأفضل والأحسن ولا يقبل بالتراجع والانهيار باعتباره خياراً أو نهجاً للحياة .

هنالك من يعتقد أن تحويل الانتباه عن مطالب الاصلاح الحقيقي الى مطالب حياتية مثل معالجة البطالة باعتبارها أولوية على المطالبة بالاصلاح ما هي الا محاولة بائسة للتملص من الاصلاح وليس لعلاج البطالة ومسبباتها التي تعود الى الفساد وسوء ادارة الدولة، علماً أنه لا يوجد تضارب بين معالجة هذا وذاك.

هنالك محاولات حثيثة تجري الآن من قبل بعض المسؤولين لتمييع المطالب بالإصلاح الحقيقي واذابتها في خطوات ومساعي لن تؤدي الى شئ كون الهدف الخفي هو الالتفاف على مسعى الاصلاح تكريساً للأمر الواقع.

النضال بالكلمات تماماً مثل الجهاد بالهتافات أو الاصلاح بالنوايا لم يعد يجدي أو ينفع في جهود التصدي للتحديات التي يجابهها الوطن الأردني .


lkamhawi@cessco.com.jo