رمضانيات 23 - " فَتْحًا مُّبِينًا "



نزلت سورة الفتح في السنة السادسة للهجرة أثناء عودة المسلمين من صلح الحديبة وقد حيل بينهم وبين البيت الحرام. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم عنها ( نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا". لقد ظن بعض المسلمين انهم خسروا المعركة في غزوة الحديبة حينما أبرم الصلح، لكنه كان واثقا فقال يا ابن الخطاب: إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا.

ارهاصات النصر كانت بادية في هذه السورة كما في الايات (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فلم يكتمل العامان الا والرسول والمؤمنون يدخلون مكّةَ في 20 رمضان سنة ثمانٍ للهجرة. حتى كان الفتح الأعظم، أوالفتح المبين. وكان ذلك ايذانا بالحقيقة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)

كان صلح الحديبية نصرا، فازدادت ّ قوة المسلمين وصار لهم جيش، و خرجوا إلى قتال الروم في مؤتة، ودخل أهل اليمن والبحرين في الإسلام، وارتفعت مكانتهم في جزيرة العرب، لذلك أمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الناس بالتجهُّز دون أن يخبرهم الى أين، فسار إلى مكّة ليفاجئهم، وحتى يزيد في إخفاء الأمر: أمر بإرسال سريّة إلى بطن إضم؛ للتمويه.

كان السبب المباشر لهذه الغزوة نكث العهود، ففي شهر شعبان نكثت بنو بكر مع قريش عهدها مع بني خزاعة في مكّة؛ وكانوا في حلف مع الرسول. فأغار بنو بكر على بني خزاعة وقتلوا منهم. وكأن الايات التي جاءت في سورة الفتح كانت منذرة لهذا الحدث (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ). وفي النهاية كان ذلك الموقف الذي سجله التاريخ: اذ وقف النبيّ يسألهم: (يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال : اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ) وردّ على أبي سفيان بقوله (لا تَثْرِيبَ عليكم اليومَ يَغْفِرُ اللهُ لكم وهوَ أرْحَمُ الرحمينَ)

لم يكن مصادفة وقوع الغزوتين الحاسمتين في شهر رمضان، فكانت بدرالكبرى وكان الفتح الاعظم، فلنجعل من هذا الشهر شهر انتصارات على النفس اولا، لعل الله يجعله نصرا على الاعداء كما كانت عين جالوت في التاريخ.

وتقبل الله صيامكم، وفتح لكم الرزق والخير، ولا تنسونا من صالح دعائكم.