الاردن يسير نحو فخ "اللبننة" القاتل!
كنا أربعة جالسين نتسامر في أوضاع الكورونا والعالم ، لنعّرج على أوضاعنا الأردنية وشكوى الناس، وحال الخزينة العامة المنهكة بالعجز والدين الذي يقترب من حاجز الخمسين مليار دولار، عندما صرخ أحدنا "كيف رح نسدّهم؟ ومن فين ياحسرة؟" وتوجه الثلاثة نحوي لأجيب على السؤال، لكنني فاجأتهم بسؤال كل منهم: كم قميصا لديك لم تلبسه؟ وكم بدلة لديك مثله؟ ومثله كم زوج حذاء؟ وكم ربطة عنق لديك؟ وهل خزانتك تستوعب ملابسك أم لجأت لاستعمال خزائن غرف أخرى؟ وكم مساحة بيتك حيث تقطن؟ أفيه مساحات لا تصلها قدميك؟ وهل لديك غرف نوم لا ينام فيها أحد؟ وصالات استقبال لا تستقبل أحد؟ وألا تذهبون للسوبر ماركت لشراء لوازمكم فتخرجون بشراء ما يلزم وما لا يلزم الكثير؟ وهل وهل ..؟
صرخ بي أحدهم معنفا وهو يقول "تريدنا أن نعود لأيام كنا نرسل حذائنا الوحيد للتصليح؟ وأيام كنا نتفاخر بالقميص "أبو نص كم" الذي قدمه هدية قريبنا في الكويت؟ وتشجع الآخر عندها صائحا بي قائلا: أتريد ان تعيدنا أيام كنا نشتري اللحم بالوقية؟ مما شجع الثالث ليقمعني وهو يخلع نظارته الشمسية الأنيقة قائلا: هذه ثمنها 80 دينار بالتنزيلات ماركة...؟ أتريدني أن أتخلى عنها؟ وعن بقية أخواتها؟
رجوت الهدوء في الحوار وقلت لا هذا ولا ذاك، سنسدد الدين العام الأردني، عندما تغير حكوماتنا هيكل نفقاتها الإستعراضية، وتسير بسياسات تعزز الإنتاج الفعلي لنعيش فيها على ما نجني وننتج ونصدّر، ليدّر علينا عملة أجنبية ندفع منها لاستيراد مستلزماتنا الأخرى، وعندما تتغيرعاداتنا الإجتماعية التفاخرية، رجالا ونساءا وحكومات ومسؤولين، وعندما يغير كل منا نمطه الإستهلاكي، عندما نتحرك لنغسل سيارتنا بأنفسنا وبدون بربيش يهدر الماء، وعندما نتوقف عن ترك غرف بيوتنا مضاءة، ومثلها أسوار منازلنا، وعندما وعندما....
بغير ذلك تتعمق الفجوة بين أغنيائنا القلة وفقرائنا، ومثلها فجوة الثقة بحكوماتنا ومؤسساتنا ونخبها المتنافسة المتمترسة خلف امتيازاتها، ويستمر ديننا الشخصي ودين خزينتنا العامة في الإنتفاخ بانتظار لحظة الإنفجار، بغير ذلك فإننا نسير بوعينا نحو فخ "اللبننة" القاتل، ولكن بلمستنا الأردنية، ولن تنقذنا نصوص قانون "مكافحة غسل الأموال والإرهاب" القديمة والمعدّلة.
هدأ جلسائي الثلاثة وانتابتنا لحظات صمت عميقة ، قطعها أكبرنا سنا عندما تنفس عميقا وقال بصوت خافت " كلام صحيح ، كلام صحيح والله ياعمي".