توقيف صحفي يفتح ملف الحريات الإعلامية مجددا في الاردن
أثار توقيف السلطات الأردنية صحفيا بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق 3 أيار/مايو من كل عام، انتقادات واسعة في البلد الذي تراجع بواقع مرتبة واحدة على مؤشر حرية الصحافة في العالم لعام 2021، ليصبح ترتيبه 129 من أصل 180 دولة.
والاثنين؛ أوقفت السلطات الأردنية، ناشر موقع "بلكي نيوز" الإخباري، الصحفي فادي العمرو، على خلفية قضية رفعها عليه عضو البرلمان الأردني غازي الذنيبات، لنشره تصريحات قال الأخير إنها مجتزأة من سياقها.
وعقب توقيف العمرو؛ أطلق الصحفيون الأردنيون حملة إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رفضا لعمليات التوقيف التي تطال الصحفيين، وللمطالبة بالإفراج عن زميلهم، وهو ما حدث بالفعل، الثلاثاء، حيث وافقت محكمة صلح عمان على طلب تكفيله.
حرية الإعلام "إلى الخلف در"
وتعقيبا على توقيف العمرو في اليوم العالمي لحرية الصحافة؛ قال مؤسس مركز حماية الصحفيين، نضال منصور، إن توقيف أي صحفي مرفوض في جميع الأوقات، سواء كان في هذا اليوم الذي حددته "اليونسكو" لتذكير الحكومات بضرورة احترامها لحرية الصحافة، أو في أي يوم عادي.
وأضاف أن توقيف الصحفي مستهجن ومدان لأنه يشكل عقوبة مسبقة، ولكونه يتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير والرأي، مطالبا بـ"إلغاء جميع العقوبات السالبة للحرية".
وأوضح منصور أن حالة الحريات الإعلامية في الأردن ينطبق عليها عبارة "إلى الخلف در"، مؤكدا أن "البيئة الإعلامية غير مشجعة، لا على مستوى التشريع، ولا السياسات، ولا الممارسات".
وبين أنه "على مستوى التشريع؛ هناك العديد من القوانين التي تشكل أداة ضغط وتقييد لحرية الإعلام، من أبرزها قانون الجرائم الإلكترونية، والعقوبات، ومنع الإرهاب، والمطبوعات والنشر، والإعلام المرئي والمسموع"، لافتا إلى أنه "لم تعد هناك سياسات داعمة للعمل الإعلامي، ولا للاستثمار في هذا القطاع".
وتابع منصور: "أما في ما يتعلق بالممارسات؛ فهناك انتهاكات ترتكب بحق الصحفيين ولا تتم مساءلة أو محاسبة مرتكبيها، أبرزها يبدأ بمنع التغطية خلال الاحتجاجات، وتعرض بعض الصحفيين لاعتداءات، ولا ينتهي بحجب المعلومات، ولا بأوامر حظر النشر التي تصدر عن السلطات القضائية".
قيود وتشريعات عرفية
وازدادت وتيرة توقيف الصحفيين والإعلاميين بعد إعلان الأردن العمل بقانون الدفاع في 17 آذار/مارس 2020 جراء أزمة فيروس كورونا، والذي منح الحكومة صلاحيات واسعة تصل إلى تعطيل القوانين، ووضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة وإلقاء القبض وتفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات.
ويرى ناشر موقع جو24 الإخباري، الصحفي باسل العكور، أن "حرية الصحافة في الأردن وصلت إلى أسوأ حالاتها على الإطلاق"، لافتا إلى أن "الصحفيين هم أكثر حرصا على سمعة الأردن ومكانته، لأنهم يستمرون في المطالبة بحرية الإعلام، ومنح الصحفيين سقفا مناسبا من الحرية".
وقال لـ"عربي21" إن توقيف الصحفي العمرو دلالة واضحة على أن الدولة الأردنية بكامل أجهزتها غير معنية بحرية الإعلام، ولا تكترث بردود الفعل الداخلية والخارجية.
وأضاف العكور أن "الإعلام في الأردن يئن تحت وطأة القيود والتشريعات العرفية، والإجراءات الأمنية، والقرارات الرسمية"، مؤكدا أن "عمل الصحفي في الأردن وفق المعايير المهنية، والضوابط الحرفية المعروفة في العالم؛ بات مهمة شبه مستحيلة".
وأوضح أن "الحكومة الأردنية يضيق صدرها بوسائل الإعلام المستقلة، والصحافة الحرة، ولذلك هي تفعل كل ما بوسعها لتنهي وجود هذا الإعلام، ويبقى منه ما هو على مقاسها وتحت مظلتها وعباءتها"، لافتا إلى أن "الإعلام الذي يخضع لتحكم الجهات الرسمية يواجه تحديا وجوديا أيضا؛ لأن المواطنين ما عادوا يثقون به".
وأشار العكور إلى أن العالم اليوم يحارب بالإعلام، "أما نحن في الأردن فنجهز على وسائل إعلامنا، ونأتي على كل مقومات بقائها وننهي وجودها"، متابعا: "كلما جاءت حكومة جديدة زعمت أنها تريد فتح صفحة جديدة مع الإعلام، وادعت بأنها ستكون أكثر شفافية، لنكتشف فيما بعد أنها أسوأ من سابقتها وأكثر انغلاقا".
رقابة ذاتية مشددة
وسادت حالة من الصمت وسائل الإعلام الأردنية، بالتزامن مع إعلان "تورط" ولي العهد السابق الأمير حمزة، مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد"، واعتقال 18 شخصا لارتباطهم بهذا الملف، بينهم مقربان من السعودية، وهما رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد.
وامتنع الإعلام الأردني عن نشر ما يتعلق بما سُمي بـ"قضية الفتنة"، سوى ما يرد إليه من بيانات وتصريحات رسمية، أو متوافقة مع رواية الحكومة حول القضية، في الوقت الذي كانت فيه وسائل إعلام عالمية تنشر معلومات وتسريبات مصورة للأمير حمزة.
ولاحقا؛ أصدر النائب العام في العاصمة عمان، حسن العبداللات، قرارا بحظر النشر في القضية المرتبطة بالأمير حمزة، شاملا وسائل الإعلام المرئي والمسموع ومواقع التواصل الاجتماعي، ونشر وتداول أي صور أو مقاطع مصورة (فيديوهات) تتعلق بـ"هذا الموضوع".
وحول تعاطي وسائل الإعلام الأردنية مع قضية الأمير حمزة؛ قال نضال منصور إن الصحفيين يخضعون أنفسهم لرقابة ذاتية مشددة؛ إما خوفا من القوانين التي تقيد حريتهم، أو لكونهم يعرفون السياسات المتبعة في البلد، وما هو مسموح بنشره إعلاميا، مما هو غير مسموح بنشره.
وأضاف منصور أن "أوامر حظر النشر التي تصدرها الجهات القضائية تكبل الإعلام أيضا، وتمنعه من القيام بدوره وممارسة حقه".
من جهته؛ قال باسل العكور إن قضية الأمير حمزة وشبيهاتها تدخل في دائرة الخطوط الحمراء التي رسمها الصحفيون لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون من خلال خبرتهم الطويلة أنها من المحرمات التي يرتب اقتحامها عليهم كلفة عالية، وهم غير مستعدين لتحمل هذه الكلفة.
وأضاف العكور أن الجهات الرسمية منعت وسائل الإعلام التي تخضع لها والقريبة منها، من التطرق إلى هذا الملف من قريب أو بعيد، سوى ما يصدر عن وسائل الإعلام الرسمية، وهو ما يفسر طريقة تعاطي الإعلام الأردني مع هذه القضية.
والجدير بالذكر أن "عربي21" حاولت التواصل مع الصحفي فادي العمرو، ولكن دون رد.