رمضانيات 24 - “ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ”
القران الكريم كلام الخالق سبحانه، معجز في مضامينه وبنائه وإخباره عن الماضي والحاضر، وجاذب مهما تبدلت الظروف والاحوال، ومؤثر مهما تكرر سماعه (وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ). وردت لفظة القران بصيغها المختلفة نحو سبعين مرة، منها احدى عشرة في سورة الاسراء، تنوعت بين الاخبار عنه كوحي السماء وبيان فضله، الى أثره المستمر في حياة البشر. غالب الافعال التي تسبق لفظة القران كانت من فعل الماضي، نحو قوله سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا - وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أو بصيغة فعل الامر ان كانت دعوة وتكليف رباني مثل قوله سبحانه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه - وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا).
الملفت للقارئ المتمعن أن الافعال التي تدل على أثر القران جاءت بصيغة المضارع المستمر، كقوله تعالى في سورة الاسراء (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) فالقران شفاء يستشفى به من الخوف والحزن، ويستشفى به من الامراض التي تصيب الروح والنفس، ويرقى به المرضى فيشفون بأمر الله، فالقران معجز في أثره وتأثيره بشفاء البشر مهما طال الزمن.
جاء في الاسراء (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، أي هو نور هداية يهدي للتي هي أعدل وأصوب، إذ يضبط توازن الانسان في حياته: بين ظاهره وباطنه، بين أوامر خالقه وطاقته (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)، (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ). فهداية القران بمعانيه وتلاوته مستمرة.
وفي سورة محمد (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) فتدبر آياته والتفكر في معانيه مطلوب على الدوام، لان فيه جواب على كثير من الاسئلة الكبرى، أنظر في قصص من أسلموا من السابقين واللاحقين، ستجد أن كثيرا منهم كان تدبر القران سبب اسلامهم، ذلك أنه مفتاح هداية القلوب (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
شاهدت بعض الفيديوهات لشباب مسلمين في الغرب، يستوقفون المارة من غير المسلمين والعرب، يطلبون منهم بأدب وقتاً لاسماعهم شيئا مسجلا على هواتفهم المحمولة، نلاحظ كم ذلك الخشوع الرهيب على أناس لا يفهمون كلمة مما يسمعون، وكثير منهم لم يدرك انه القران الكريم، وبعد ذلك يعبرون عن سكينة وطمأنينة روح شعروا بها، (لو أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
هذه ذكرى لتليين القلوب بذكر الله، فحذار أن نكون ممن (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، لأن العاقبة (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). لذلك استجب لله ولأوامره (ورَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)، يكون لك برحمة الله شفيعاً كما في الحديث (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ).
وتقبل الله صيامكم وقراءتكم القران ونفعكم به وجعله شفيعا لكم، ولا تنسونا من دعائكم.