أزمة “كوفيد – 19” الهندية تحذير جدّي لجميع البلدان

تعد أزمة "كوفيد – 19” في الهند نكسة هائلة للعالم بأسره. ولا يقدم حجم انفجار الوباء في ذلك البلد تحذيراً للبلدان المجاورة له، والتي تشهد أيضًا زيادات حادة في أعداد الحالات فقط، وإنما أيضًا للبلدان كافة في جميع أنحاء العالم. وإذا لم نلتفت إلى هذا التحذير ولم نعمل على تحقيق المساواة في توزيع اللقاحات، فإننا نخاطر بمواجهة وباء دائم أبدي، مع دورات طويلة الأجل من الإغلاقات، وما يرافقها من الأضرار الاقتصادية والخوف المستمر.
تبلِّغ الهند حالياً عن أكثر من 380.000 إصابة و3.500 حالة وفاة يوميًا. وكلاهما تقديران أقل من الواقع بكثير. ونظام الرعاية الصحية الهندي غارق تمامًا. من المستحيل العثور على أسرة في المستشفيات. والإمدادات الطبية، مثل الأكسجين نادرة بشكل لا يصدق، وهناك نقص كبير في الاختبارات التشخيصية. ويقوم العديد من الأشخاص الذين لديهم أفراد من عائلاتهم أو أصدقاء مرضى في الهند -بمن فيهم نحن- بتفقد أحوالهم. وهذه المرة، يصاب الشباب بالمرض أيضاً. وكما هو الحال دائمًا، يكون الفقراء هم الذين يتلقون أقسى الضربات.
كانت هذه الموجة الثانية المدمرة في الهند نتيجة لعاصفة كاملة: فشل في التخطيط لموجة ثانية؛ استرخاء مبكر بشأن تدابير الصحة العامة؛ تجمعات كبيرة؛ وتغطية تطعيم غير كافية؛ ومتغيرات أحدث من الفيروس، مثل B.1.1.7 وB.1.617، والتي تمتاز بأنها شديدة القابلية للانتقال، وربما أكثر شدة.
لدى الهند 95.000 سرير للعناية المركزة، و48.000 جهاز للتنفس الاصطناعي. وبحلول منتصف شهر أيار (مايو)، من المتوقع أن تحتاج البلاد إلى 340.000 سرير وأكثر من 700.000 جهاز تنفس. ولا يوجد في المناطق الريفية في الهند سوى القليل من الأسرة والأجهزة، وقد تضررت بشدة مسبقاً. وقد أصبحت الهند الآن في أمس الحاجة إلى دعم المجتمع العالمي للنجاة من هذه الأزمة.
حتى بينما تكافح الهند للسيطرة على الموجة الثانية من المرض، تتزايد الحالات بين جيرانها أيضاً، بما في ذلك نيبال وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا. وفي حين أن الفيروس المتحور الذي يقود الطفرات الجديدة عند جيران الهند ما يزال غير واضح، فقد انتشر المتغير B.1.617 بالفعل إلى أكثر من 18 دولة.
ولدى البلدان الأخرى في جنوب آسيا موارد وبنية تحتية طبية أقل بكثير مقارنة بالهند. وعلى سبيل المثال، لدى نيبال 1.486 سريراً لوحدات العناية المركزة، و634 جهاز تنفس، وتتوقع وزارة الصحة النيبالية أن تحتاج إلى علاج 15.000 مريض في وحدة العناية المركزة بحلول تموز (يوليو). ولدى بنغلاديش، وهي موطن لـ163 مليون نسمة، ما لا يزيد على 1.134 سريرًا لوحدات العناية المركزة الخاصة فقط مخصصة لمرضى "كوفيد -19”. ولدى باكستان، خامس أكبر دولة في العالم، أقل من 4.000 جهاز للتنفس الاصطناعي. ولا يستطيع جيران الهند تحمل نوع التمزق الذي تعيشه الهند حالياً.
وما تزال تغطية التطعيم في هذه البلدان أقل بكثير من أن تتمكن من منع الطفرات. وقامت باكستان وبنغلاديش ونيبال بتلقيح 1 في المائة، و3.5 في المائة، و7 في المائة فقط من سكانها، على التوالي، بجرعة واحدة. ومن غير المرجح أن تزداد أعداد التطعيمات قريبًا، بالنظر إلى أن الهند تعطي الأولوية الآن لجهود التطعيم المحلية. وقد أصبحت إمدادات اللقاحات المصنعة في الهند لـ”كوفاكس”، مبادرة منظمة الصحة العالمية لإرسال لقاحات إلى البلدان النامية، في خطر.
السيناريو الآخر المخيف حقًا هو انتشار متحورات أكثر قابلية للانتقال وأكثر إماتة إلى البلدان منخفضة الدخل، خاصة في قارات أميركا الجنوبية وأفريقيا. وقد شكل التفشي غير المنضبط للعدوى في البرازيل (مدفوعًا بمتغير P.1 القوي) تهديدًا للعديد من بلدان أميركا الجنوبية.
لدى معظم البلدان في أفريقيا بنية تحتية صحية محدودة ولا يمكنها التعامل مع المرض النمطي الحاد الذي تسببه المتحورات الأحدث. وكما أظهر المتحور الذي ظهر في جنوب إفريقيا، فإن لدى القارة قدرة محدودة على مواجهة مثل هذه الزيادات الحادة في الحالات. وتشير التقديرات إلى أن هناك أقل من 2.000 جهاز للتنفس الاصطناعي فقط في 41 دولة أفريقية. وهناك عشر دول أفريقية ليس لديها أي جهاز على الإطلاق.
وحتى الآن، أعطيت حوالي 2 في المائة فقط من جرعات اللقاح التي أعطيت في العالم في إفريقيا، وقد لا يتم تطعيم سكان البلدان الفقيرة حتى العام 2024. وهكذا، تظل القارة بأكملها معرضة بشدة للمتغيرات الأحدث من الفيروس التي تعيث فساداً في آسيا وأميركا الجنوبية. وإذا تخلى القادة الأفارقة وعامة الناس عن تدابير الصحة العامة، فإنهم قد يواجهون نوع الطفرة المدمرة التي تشهدها بلدان جنوب آسيا. ليس هناك بلد آمن.
لقد أصبح من الواضح بطريقة مؤلمة أن الأنواع الأحدث من الفيروس قد غيرت طبيعة هذا الوباء. ولذلك، لا يمكننا أن نكتفي بتطعيم سكان البلدان الغنية فقط ونأمل في أن نكون بأمان. سوف تكون الطريقة الوحيدة لإنهاء هذا الوباء هي القضاء عليه في كل مكان. وبخلاف ذلك، سوف نلعب إلى الأبد لعبة جحور الخُلد مع فيروس دائم التحور.
لن يكون التاريخ رفيقاً بنا إذا لم نضمن الوصول العالمي إلى لقاحات "كوفيد -19”. ويشكل طرح لقاحات عالية الفعالية في وقت قياسي أحد أعظم انتصارات العلم. لكن تكديس اللقاحات والحواجز التي توضع أمام مشاركة المواد الخام والمعلومات حول كيفية صنع هذه اللقاحات على مستوى العالم سوف يُنظر إليه على أنه أكبر خطأ إستراتيجي يمكن أن نرتكبه.
ينبغي أن يتعاون قادة العالم، وأن يتنازلوا عن حقوق الملكية الفكرية، ويتشاركوا التكنولوجيا، ويسمحوا للمزيد من البلدان بتصنيع اللقاحات ويدعموها في هذا السبيل. وسوف تكون مشاركة وصفة لقاح "مرسال الحمض النووي الريبي” أمرًا بالغ الأهمية، حيث يمكن إعادة تصميم هذه اللقاحات بسرعة لمواكبة المتغيرات الأحدث من الفيروس.
وتقدم الهند الآن قصة تحذيرية للعالم. وتقدم دليلاً على أننا لا نستطيع محاربة هذا الوباء دولة تلو الأخرى. فبحلول الوقت الذي نطفئ فيه حريقًا، سيتعين علينا محاربة آخر. ولذلك، يجب أن يفكر قادة العالم خارج حدودهم وأن يفعلوا الشيء الصحيح لما فيه خير البشرية جمعاء.

 الغد