حماية الصحفيين: التشريعات الاردنية تحولت الى اداة تقييد.. وتوقيف الصحفيين أصبح سمة عامة
"حماية الصحفيين" يُطلق مؤشر حرية الإعلام 2020 تحت عنوان "إعلام مقيّد"
توثيق 111 انتهاكا وقعت على 56 إعلاميا وإعلامية في عام 2020.
الحكومات لا تضع خططا تنفيذية لدعم الإعلام، وكلامها عن تعديل التشريعات حبر على ورق.
سكوت عن الانتهاكات ولم يُسمع عن ملاحقة وتجريم من يتدخل بوسائل الإعلام.
الأجهزة الأمنية لا تتدخل بشكل فج بالصحافة، والمؤسسات الإعلامية تعرف ما هو مسموح، وتضع لنفسها خطوطا حمراء.
التوصية بإعداد استراتيجية إعلامية لإصلاح السياسات والتشريعات.
الانتهاكات الجسيمة تقع على الإعلاميين خلال تغطية الاحتجاجات.
أجهزة إنفاذ القانون مطالبة بالالتزام ببروتوكول يصون حق الصحفيين بالتغطية المستقلة.
التوقيف للصحفيين أصبح سمة عامة وليس تدبيرا استثنائيا.
الدعوة لتأسيس صندوق لدعم الإعلام المستقل لمساعدة وسائل الإعلام وفق معايير مهنية شفافة ومعلنة.
أطلق مركز حماية وحرية الصحفيين مؤشر حرية الإعلام لعام 2020 في الأردن، تحت عنوان "الإعلام مقيد".
وأظهر مؤشر حرية الإعلام الذي أعده "حماية الصحفيين"، ويسلط الضوء على البيئة السياسية، والتشريعية، وحق الحصول على المعلومات، والانتهاكات التي تقع على الصحفيين والصحفيات، واستقلالية وسائل الإعلام، والضغوط التي تعرضت لها خلال جائحة كورونا، أن الأردن حصل على 227.3 نقطة من المجموع الكلي للمؤشر والبالغة 570 نقطة، وبهذا يُصنف استنادا إلى معايير المؤشر بأن حالة الإعلام "مقيدة".
ووثق "حماية الصحفيين" في ذات التقرير 111 انتهاكا وقعت على 56 إعلاميا وإعلامية، ومؤسسة إعلامية واحدة.
وتضمن مؤشر حرية الإعلام الذي يعرضه "حماية الصحفيين" لأول مرة 57 سؤالا، وخضعت نتائجه ودلالاته لنقاش ومراجعات في ثلاث جلسات عصف ذهني شارك بها إعلاميون وإعلاميات، وقانونيون وقانونيات، بالإضافة إلى مقابلات معمقة مع خبراء؛ لتقديم إجابات تفصيلية وشروحات لأسئلة المؤشر المتعددة.
وكشف المؤشر أن الحكومات المتعاقبة تتحدث عن الإعلام في سياق عام، ولا تضع خططا تنفيذية ترتبط بمؤشرات قياس لإنجازها، وكلامها عن ضمان الحريات، أو تعديل التشريعات ظل حبرا على ورق، ولم ينسحب إلى ممارسات تصون حرية واستقلالية وسائل الإعلام، ويؤكد رئيس لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب ونقيب الصحفيين الأسبق عبد الوهاب زغيلات في شهاداته للتقرير أن "الحكومات لا تدعم وسائل الإعلام في برامجها على إطلاقا، فدعم الإعلام في الأردن غير وارد باستثناء بعض دعم مادي الجزئي موجه لوسائل الإعلام الرسمية".
وأكد المؤشر أن المشكلة في البيئة السياسية لا تكمن في التشريعات التي تحولت إلى أداة تقييد، وإنما يمتد الأمر إلى السكوت عن الانتهاكات التي تقع على الصحفيين، ولم يُسمع أن الحكومة لاحقت أو جرمت مسؤولا حكوميا تدخل في عمل وسائل الإعلام، أو وضعت ضوابط تحول دون تدخل أجهزة الأمن بوسائل الإعلام.
وتوصل المؤشر إلى أن الأجهزة الأمنية لا تتدخل بشكل فج بوسائل الإعلام، مستدركا بالقول "الحقيقة التي يدركها كل من هو قريب من المؤسسات الإعلامية أن الصحفيين باتوا يعرفون ما هو مسموح، وما هو غير مسموح، ووضعت المؤسسات الإعلامية لنفسها خطوطا حمراء لتغطياتها، وأخبارها، وتقاريرها الصحفية".
ونوه التقرير الصادر عن المؤشر إلى حقيقة أن الإعلاميين باتوا يدركون أن مواجهة مخرز الحكومة أمر صعب وليس سهلا، وهو محفوف بالمخاطر في ظل بيئة تشريعية مقيدة، وسياسات وممارسات ليست داعمة للإعلام، مشيرا إلى أن الصحفيين يرون أن المكافآت والحوافز تذهب لمن يتماهون مع خط الحكومة، ويدركون أن مؤسساتهم لن تدافع عنهم بقوة، إن تعرضوا للخطر، وقد تتخلى عنهم.
وأشار التقرير إلى أنه وبعد سنوات من التدخل المباشر، فإن وسائل الإعلام أعادت التموضع، وأصبحت إدارات التحرير (رئيس التحرير، مدير التحرير، ومحرري الديسك) يقومون بالرقابة القبلية، وتنقيح المحتوى، وحذف أو تعديل ما يرونه مخالفا لتوجهات الدولة والحكومة.
وأوضح التقرير أن الدستور يضع ضمانات لكفالة حرية الإعلام والتعبير تتمثل في المادة (15)، كما وضعت المادة (128) من الدستور قيودا تمنع أن تتضمن القوانين ما يقيد الحقوق الدستورية، مؤكدا أن واقع الحال يكشف بجلاء أن الكثير من المواد القانونية تحولت إلى أداة تقييد.
وفيما يتعلق بدعم مجلس النواب للإعلام، أظهر التقرير أن البرلمانات لم تتبنَ استراتيجية واضحة لدعم حرية الإعلام، ولم تضع تصورات لمراجعة التشريعات لتتواءم مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير، ونوه بأن مجلس النواب يستخدم من قبل الحكومات لتمرير تعديلات تشريعية تزيد من القيود على الصحافة ووسائل الإعلام.
وأكد أن البرلمانات المتعاقبة لم يسبق أن بادرت بتقديم مشاريع قوانين داعمة بالإعلام، موضحا أن الكتل البرلمانية لا تُظهر اهتماما بواقع وظروف وسائل الإعلام، وهذا ما يراه النائب والإعلامي ينال فريحات، حيث يقول "مجلس النواب الحالي كسابقيه من المجالس لا يوجد فيه توجه عام لحماية ودعم وسائل الإعلام إلا من أفراد".
وذكر التقرير أن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام تشهد تقصيرا مشتركا من الطرفين، فالإعلام لا يبذل جهدا كافيا للتعرف إلى الأدوار التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني، ولا يستخدمها
كمصادر مستقلة للتعليق على الأحداث وكشف الانتهاكات، وبالتوازي فإن أكثر مؤسسات المجتمع المدني لا تملك المعارف والمهارات للتواصل مع الإعلام، وتقديم المعلومات التي تهمه وتغني قصصه وتقاريره.
وقدم المؤشر في القسم المتعلق بالبيئة السياسة توصية بضرورة المباشرة بإعداد استراتيجية إعلامية مع أصحاب المصلحة تراعي إصلاحا في البيئة التشريعية، وتضع سياسات حاضنة الإعلام، وممارسات تحميه وتصونه، على أن تقترن بإطار زمني للإنجاز، وبمؤشرات قابلة للقياس.
وتوقف مؤشر حرية الإعلام عند البيئة التشريعية، فأكد أن التشريعات تحولت لأدوات تقييد، وأزهقت الحقوق الدستورية وعصفت بها، مذكرا أن حزمة التشريعات المتعلقة بعمل وسائل الإعلام تتسم بعمومها بالتقييد، وكلما وجدت الحكومة مساحة تسمح للصحافة أن تمارس هامشا من الحرية عمدت إلى إغلاقه، أو تشديد الحصار عليه، ويعلق المحامي ومدير هيئة الإعلام الأسبق محمد قطيشات على ذلك بالقول "قانون الجرائم الإلكترونية وخاصة المادة (11) تتعارض بشكل كبير مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهناك العديد من النصوص القانونية الموزعة على قوانين حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون العقوبات وقانون انتهاك حرمة المحاكم تتعارض بشكل كبير مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
وسلط التقرير الضوء على إشكالية أخرى في التشريعات وهي المصطلحات الفضفاضة وغير المنضبطة الواردة في بعض القوانين مثل خطاب الكراهية، والأمن الوطني، واغتيال الشخصية، معتبرا أنها المدخل الأساسي لتقييد حرية التعبير والإعلام، فهي تستخدم بشكل متعسف في توقيف الصحفيين".
ووجد المؤشر أن الإعلاميين والإعلاميات لا يتعاملون بجدية مع ميثاق الشرف الصحفي لنقابة الصحفيين، في الوقت الذي لا يبذل مجلس نقابة الصحفيين وما يسمى "مجالسه التأديبية" جهدا في ترسيخ مدونات سلوك مهنية، ولا يتخذ إجراءات فاعلة بحق المؤسسات الإعلامية أو الصحفيين الذين ينتهكون معايير الصحافة الأخلاقية، ويرتكبون "مخالفات مسلكية".
وقال إن القوانين الأردنية لا تضع حوافز تشجع تنوع مؤسسات الإعلام وتعدديتها، شارحا أنه لا يوجد وسائل إعلام في المشهد الأردني تعبر عن أي أقليات دينية أو عرقية.
وأوصى بـمراجعة التشريعات الناظمة للإعلام والتي تؤثر به لتتواءم مع النصوص الدستورية، وإعطاء صفة الاستعجال لتعديل المواد القانونية التي تفرض عقوبات سالبة للحرية في قضايا النشر وحرية التعبير، مثل قانون الجرائم الإلكترونية، والعقوبات، ومنع الإرهاب.
وتوصل المؤشر إلى أن حق الحصول على المعلومات مقيد في الأردن، وأن قانون حق الحصول على المعلومات لا يملك صفة السمو على القوانين الأخرى؛ الأمر الذي أفقد القانون قوته، وأن الاستثناءات والقيود المفروضة على حق الحصول على المعلومات واسعة، لافتا إلى أن المادة (13) من القانون تتوسع في حماية الوثائق والمعلومات أكثر بكثير مما قصدت إليه المعايير الدولية.
وأكد أن الكثير من الصحفيين والصحفيات قلما يستخدمون قانون حق الحصول على المعلومات نظرا لعدم ثقتهم بفعاليته أو جهلهم به، أو عدم وجود آليات سريعة للتعامل مع أسئلتهم، منوها إلى أن إقرار الحكومة لثلاثة بروتوكولات ضمن الخطة التنفيذية الرابعة لمبادرة الحكومات الشفافة OGP يتوقع أن يحسن حالة إنفاذ حق الحصول على المعلومات إذا التزمت المؤسسات العامة بتطبيقها.
وأضاف أن المؤسسات العامة والوزارات لم تنجز تصنيف معلوماتها منذ إقرار القانون وحتى الآن، وأن من قام بالتصنيف لم يلتزم بالمعايير القانونية، والممارسات الفضلى، فيما لم تقم الوزارات والمؤسسات العامة بما يلزم لإنفاذ قانون حق الحصول على المعلومات، وخاصة في إجراءات تلقي الطلبات والإجابة عليها، مُذكرا أن قانون حق الحصول على المعلومات لا يفرض عقوبات على الموظفين و/أو المسؤولين الذين يرفضون إجابة الصحفيين أو يمتنعون عن الإجابة، أو يحجبونها عنهم بشكل متعمد.
وقدم التقرير توصية دعا فيها إلى إقرار قانون جديد يضمن حق الحصول على المعلومات يراعي المعايير الدولية وأفضل الممارسات، ويعطي صفة السمو على التشريعات الأخرى، ويحصر الاستثناءات، ويعتمد مبدأ تصنيف المعلومات وفقا لاختباري الضرر والمصلحة العامة.
واحتل قسم الانتهاكات الواقعة على الصحفيين والصحفيات حيزا واسعا من مؤشر حرية الإعلام، ولاحظ التقرير أن الانتهاكات الواقعة على الصحفيين والصحفيات في الأردن تتسم بمجملها بأنها انتهاكات غير جسيمة باستثناءات قليلة، مفسرا أن الانتهاكات الجسيمة التي تقع (الاعتداءات الجسدية) في بعض الأحيان، غالبا ما تحدث خلال تغطية الصحفيين والصحفيات للاحتجاجات والمظاهرات، تبدو كنتيجة لعدم وجود سياسات ناظمة لتعامل أجهزة إنفاذ القانون في مناطق التوتر والأزمات.
وسجل المؤشر أن توقيف الصحفيين عند مثولهم أمام المدعين العامين أصبح سمة عامة وليس تدبيرا استثنائيا، على الرغم من أن الضوابط التي وضعت للتوقيف في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يمكن ان تنسحب على قضايا النشر المقامة على الإعلاميين والإعلاميات، ووصف رئيس تحرير جريدة الغد مكرم الطراونة توقيف الصحفيين بأنه "يرعب الإعلام، مما يجعل الصحفي لا يؤدي عمله بشكل جيد".
ويرى التقرير أنه من المؤكد -وهو ذاته ما كشفته كل استطلاعات الرأي- التي أجراها مركز حماية وحرية الصحفيين في السنوات الماضية، أن التوقيف كعقوبة مسبقة أصبحت تؤثر على حرية الإعلام، وتمنع الصحفيين/ـات من الاقتراب وتسليط الضوء على الكثير من القضايا، وعززت الرقابة الذاتية والمسبقة.
ويعتقد أن الإعلاميين لا يفصحون دائما عن الاستدعاءات الأمنية التي يتعرضون لها، ولا يوجد توثيق دقيق لهذه الحالات وظروفها، منوها إلى أن المؤشرات التي يمكن تلمسها بمتابعة الحياة اليومية للصحفيين/ـات تشي بأن الاستدعاءات الأمنية ليست نهجا شائعا أو ممارسة يومية تلجأ لها الأجهزة الأمنية في التعامل مع الصحفيين، ووسائل الإعلام.
وتثبت التقرير من أن الإعلاميين يتعرضون لاعتداءات جسدية خلال تغطياتهم الصحفية في المظاهرات ومناطق الاحتجاجات، وخاصة المصورون في الميدان، في حين أن أجهزة إنفاذ القانون لا تطبق "بروتكولات" في التعامل مع وسائل الإعلام تضمن حقهم بالتغطية المستقلة.
التوصية الأكثر أهمية والتي طالب بها التقرير هي إدخال تعديلات تشريعية تضمن محاسبة من يرتكبون انتهاكات بحق وسائل الإعلام، والصحفيين والصحفيات، بالإضافة إلى إقرار بروتوكول عمل عند أجهزة إنفاذ القانون يضمن حق الصحفيين بالتغطية المستقلة في مناطق الأزمات.
توصل المؤشر إلى أن التجارب الكثيرة رسخت قناعات أن وسائل الإعلام سواء كانت تملكها الحكومة أو تلك التي لا تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي حصصا مؤثرة فيها، أو حتى التي يملكها القطاع الخاص لا تتمتع بالاستقلالية الكافية وبقيت الحكومات وأجهزتها الأمنية قادرة على التدخل بها وتوجيهها بحدود مختلفة،
واعتمدت لذلك مقاربات مختلفة أهمها سياسة الاحتواء وتعزيز المصالح، واللجوء إلى سياسة "العصا والجزرة". ويؤكد مدير عام قناة اليرموك خضر مشايخ ذلك "هناك دعم من الحكومة لبعض وسائل الإعلام ولكنه مشروط ومرتبط بمواقف وسائل الإعلام، وللسيطرة على السياسات التحريرية، وهناك شراء ولاءات".
وقال التقرير إن أوامر منع النشر من أبرز التحديات التي تمس استقلالية وسائل الإعلام، وهي تستخدم عادة لمنع متابعة قضية تشغل الرأي تحت ذريعة عدم التأثير على سير العدالة، أو كشف معلومات عن التحقيقات.
ونبه إلى عدم وجود صندوق لدعم وسائل الإعلام على غرار تجارب كثيرة في العالم، بالإضافة إلى أن الحكومات لا تنظر إلى أن استمرار وسائل الإعلام وتنوعها مهم لتعزيز الديمقراطية، وحق المجتمع في المعرفة، موصيا بإطلاق صندوق دعم للإعلام المستقل ترصد له موازنة مالية سنوية من أجل مساعدة وسائل الإعلام وفق معايير مهنية معلنة وشفافة، ويديره لجنة من الخبراء المستقلين.
وختم التقرير في قسمه الأخير الذي يعالج وضع الإعلام خلال جائحة كورونا، أن أمر الدفاع (8) وضع قيودا على حرية الإعلام والتعبير، ولم يُراعي التزامات الأردن بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أن إجراءات منح التصاريح للصحفيين والصحفيات لا تتمتع بالشفافية الكاملة، فالمعايير المعتمدة ليست معلنة، ولا توجد مسطرة معتمدة تحدد الأعداد الممنوحة للمؤسسات الإعلامية، فيما لم تقدم الحكومة أية تعويضات لوسائل الإعلام رغم تضرر وسائل الإعلام من بعض قرارات الحكومة وتدابيرها
ودعا في توصية له إلى إيقاف استخدام قانون الدفاع وأوامره، والتدابير والإجراءات الاستثنائية التي استخدمت تحت ذريعة حماية الصحة والسلامة العامة؛ لأنها لا تتواءم مع المعايير الدولية، وليس لها سياق قانوني، ولا تستند إلى أدلة علمية، وغير متناسبة، ولا تخضع لإطار زمني محدد.
•للاطلاع على المؤشر كاملا الرجاء الدخول على الرابط التالي: https://bit.ly/3y0PCgz
** الفيديو أسفل المساحة الاعلانية..