ثلاث صور للإصلاح.. أيها تفضل؟



ذكرتني آخر نسخة وصلتنا من مشهد "الاستدارة" نحو الإصلاح، "الحديث عن الإصلاح: ادق"، بصورتين سبق ان رأيتهما: ‏الأولى صورة المدرسة التي تركتها منذ نحو 40 سنة، حين كنت انا وزملائي الطلبة نجلس على مقاعد الدراسة، ويقف الأساتذة أمامنا ليشرحوا لنا الدروس، آنذاك كان أساتذتنا -سامحهم الله- يلقوننا المادة ويطلبون منا أن ننسخها مرات عديدة، ‏ثم أن نحفظها عن ظهر قلب، ومن النادر جدا أن يسمح لنا احدهم بأن نخالفه الراي، وان نلح عليه في الأسئلة، فما يقوله هو الصواب، وما يجب أن نعرفه هو انه يدرك تماما مصلحتنا اكثر.

‏الصورة الأخرى هي ما تعلمته وغيري من رواد المساجد، من خطيب الجمعة، فنحن دائما نجلس أمامه صامتين وهو يلقي خطبته، لا يجوز لأحد أن يتكلم او "يلغوا"، فالصمت عبادة، والمطلوب ان نصغي فقط، وان نقبل ما يقوله دون نقاش أو رد، ‏فهو على الأغلب يعرف "ديننا" اكثر منا، وهو أيضا يتحدث باسم الله، ومن يجرؤ أن يقول له: أنت بشر، الخطيب حين يفعل ذلك ربما يكون على حق لأنه يتحدث في الدين لا في السياسة.

‏الشاهد -هنا- أن "الاستدارة" نحو الإصلاح تشبه العملية "الدرامية"، ثمة نص مكتوب وجاهز، وممثلون يصعدون على الخشبة لابهارنا بأدوارهم، ومخرج يتولى تصميم العمل وتحديد سياقاته ولحظة "العقدة" فيه ونهايته أيضا، اما الجمهور فيتابع الأحداث ويحاول أن يستبقها ويتنبأ بما قد يحصل ، وقد يتفاجأ أحيانا بنتيجة أخرى، وقد يتعاطف مع أحد الأبطال، وقد يشعر بالملل من رتابة تطور الأحداث، لكنه في كل الحالات يظل يتفرج ولا يستطيع أن يتدخل.. وهكذا.

‏خطر في بالي صورة أخرى مختلفة أتمنى أن نستحضرها ونحن نستدير نحو الإصلاح، صورة مباراة لكرة القدم في إحدى الدوريات او "المونديالات" المهمة، فريقان ينزلان الى الملعب والجمهور يقف على المدرجات، روح رياضية تملأ أرجاء الملعب، حكم يمسك بصفارته ليطلقها عند أي خطأ أو تجاوز، كل فريق يقدم أفضل ما لديه من مهارات، لاعبون يمررون الكرة بذكاء، حراس المرمى يستميتون لابقاء شباكهم نظيفة، كل هدف جميل يحظى بتصفيق الجمهور، لا تسمع ‏أي هتافات خادشة للحياء الوطني، ثم تنتهي المباراة بعد تنافس شريف "بانتصار" فريق او تعادل الفريقين .. ويصطف اللاعبون لتحية بعضهم في النهاية.

‏الاستدارة نحو الإصلاح مهما كانت جادة وحقيقية، لا تصلح أن تكون رسالة من طرف واحد، او محاضرة لأساتذة على طلابهم الجالسين على المقاعد، أو خطبة وموعظة يوجهها شيخ فاضل لمستمعيه الذين يتعبدون بالصمت وحق الاستماع، الاستدارة "اشتباك" بين طرفين ونقاش عام يشارك فيه الجميع، "ولعب" سياسي نظيف، وروح رياضية عالية تتنافس فيه الفرق لتسجيل أهداف وطنية جميلة، الاستدارة لكي تكون مقنعة ومؤثرة وتحظى بثقة الجمهور يجب أن تخرج من يدي "‏الترزي" ومحلات التصميم الجاهزة إلى فضاءات المجال العام حيث "المجتمع" بمؤسساته وشخصياته العامة وخبراؤه والفاعلون فيه، هم من يشاركون في صناعة "الثياب" التي سيدفع ثمنها من مستقبله.