الشارع السوداني يرحب بإبعاد النائب العام ورئيسة القضاء
رحب الشارع السوداني بإعلان الحكومة، الاثنين، قبول استقالة النائب العام تاج السر الحبر، وإعفاء رئيسة القضاء نعمات عبد الله محمد خير من منصبها.
وجاء القراران في أعقاب حملة واسعة شهدتها شوارع السودان خلال الأشهر الماضية للمطالبة بعزلهما، بعد اتهامهما بـ"التقاعس وتعطيل الملف الأمني والتماهي مع النظام السابق، وعدم الجدية في محاسبة عناصر الإخوان المتورطين في عمليات قتل واسعة وفساد مالي وإداري تقدر خسائره بنحو تريليون دولار".
واشتكت لجنة إزالة تمكين نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح في أبريل 2019، مرارا من عدم تعاون الأجهزة العدلية معها، مما أدى إلى "تعطيل سير العدالة" وفقا لرأيها.
وتعرض النائب العام لاتهامات عدة، بعد هروب شقيق البشير المتهم بجرائم فساد ضخمة إلى خارج البلاد، وتزايدت تلك الاتهامات بعد إطلاق سراح عدد من العناصر الإخوانية من بينهم المستثمر التركي أوكتاي، المتهم أيضا بجرائم فساد وانتهاكات مالية أضرت كثيرا بالاقتصاد السوداني.
وأبدى قانونيون وأقارب لضحايا احتجاجات ديسمبر 2018 وما بعدها، ترحيبهم الكبير بالخطوة، معبرين عن أملهم في أن "تنهي حالة عدم الرضا الكبيرة حيال أداء ملف العدالة خلال الفترة الماضية".
لكنهم في الوقت ذاته، استبعدوا جدوى الخطوة "إذا لم يكن البديل تعيين رئيس قضاء ونائب عام قادرين على إجراء إصلاحات هيكلية شجاعة في الأجهزة العدلية، بما يتيح تحقيق العدالة والقصاص للضحايا"، المقدر عددهم بأكثر من ألف بين قتيل ومفقود بحسب إحصاءات مستقلة.
حلقة ضعيفة
ووصف شوقي يعقوب عضو الهيئة القانونية الاستشارية للجنة إزالة تمكين نظام البشير، ملف العدالة بـ"أضعف حلقات الفترة الانتقالية".
وقال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن النائب العام "لم يقدم حتى الآن أي قضايا كبيرة تهم الشارع السوداني"، وأضاف أن أداءه هو ورئيسة القضاء كان "ضعيفا للغاية"، خصوصا في مسالة إزالة التمكين في الجهازين.
ونبه يعقوب إلى أن "العدالة هي الضلع الأهم في الفترة الانتقالية"، مشيرا إلى أن النظام السابق "اختار بعناية عناصر موالية له للعمل في الجهازين، مما استدعى ضرورة تنظيفهما، لكن لجنة إزالة التمكين واجهت عقبات كبيرة".
وأوضح: "النائب العام ورئيسة القضاء لم يكونا جادين في تحقيق الاستقلالية الفعلية داخل هذه الأجهزة".
وأكد يعقوب "منطقية إبعاد النائب العام بسبب ارتكابه أخطاء كارثية، منها إطلاق سراح العديد من عناصر النظام السابق وتقديم قضايا ضعيفة جدا".
وأشار إلى "ضرورة ملء المنصبين باختيار كفاءات لا غبار حولها ومن دون أي مجاملة، وإزالة جميع العناصر المعوقة للعمل في الجهازين لأن نجاح الفترة الانتقالية يعتمد بشكل كبير على تحقيق العدالة وإنهاء المظالم"، حسب تعبيره.
مكمن الخلل
ومن جهة أخرى، أوضح هشام أبو ريدة المحامي والقيادي بالجبهة الوطنية العريضة، أنه "منذ تعطيل العمل بالدستور في أعقاب سقوط النظام السابق، ظهر فراغ بسبب الإبقاء على القوانين التي وضعها وشرعها الإخوان".
وشدد أبو ريدة في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أن "الخلل في الملف العدلي نجم عن عدم العمل بالشرعية الثورية التي تحقق العدالة بأسرع وقت ممكن خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام السابق"، مشيرا إلى أن "الجبهة الوطنية العريضة حددت في برنامجها إقامة أكثر من 500 محاكمة خلال اليوم الواحد في الميادين والساحات".
ورأى أن "بداية التلاعب بالملف العدلي تمثلت في الإعلان الذي تضمنه البيان الأول، بأن رأس النظام في مكان آمن، مما يعني حماية البشير وأعوانه من أي مساءلة أو محاكمة".
ويشير أبو ريدة إلى أنه "رغم الدعوة الجنائية المتكاملة التي أقامها القانوني الراحل علي محمد حسنين ضد العناصر والأحزاب الإخوانية المشاركة في انقلاب 1989، فإن طريقة سير المحاكمات أثارت العديد من الشكوك حول الأجهزة العدلية الحالية".
وشدد على ضرورة بناء أجهزة عدلية حقيقية "تساعد في محاسبة جميع من أجرموا في حق الشعب السوداني منذ 1989 وحتى الآن، بما في ذلك جريمتا فض اعتصام الثوار في محيط القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019، والأخيرة التي وقعت الأسبوع الماضي"، عندما قتل شابان في وقفة احتجاجية بالخرطوم.
معضلة حقيقية
وفي السياق ذاته، اعتبر أبو بكر عمر الإمام، وهو والد عبد العظيم أحد ضحايا احتجاجات ديسمبر 2018، أن "العدالة كانت غائبة خلال العامين الماضيين ولم ترتق لمستوى الثورة وتطلعاتها، وشكلت معضلة حقيقية".
وقال الإمام لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "من المحبط وبعد التضحيات الكبيرة التي قدمها السودانيون في ثورة رواها الشباب بدمائهم، أن تضل العدالة الطريق ولا تحقق القصاص والعقاب اللازم لكل من ارتكب جرما تجاه السودانيين خلال فترة حكم البشير، وفي الفترة التي أعقبت سقوطه".
وعبر عن أمله في أن يتم تعيين نائب عام ورئيس قضاء "على قدر قامة الثورة"، مشيرا إلى أهمية "إجراء محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الفظيعة ضد شهداء الثورة وجرحاها ومفقوديها".
كما أبدت زينب عثمان وداعة، وهي والدة برعي أحد ضحايا فض اعتصام القيادة العامة في 2019، استغرابها من عدم تحقق العدالة رغم مرور عامين على إطاحة نظام البشير.
وقالت لموقع "سكاي نيوز عربية" إن إقالة رئيسة القضاء "خطوة جيدة"، لكنها رأت أن استقالة النائب العام "قد تكون خطوة غير جيدة، لأنه كان يتحدث عن سعيه لمعالجة القضايا بشكل قانوني لا يتيح الثغرات".
وأشارت زينب إلى أن "الرأي حول أداء النائب العام ينقسم ما بين مؤيد لخطواته التي اتخذها وما بين رفض كلي له. العدالة متعثرة بسبب صعوبة رفع الحصانة عن المتهمين بارتكاب الانتهاكات".