غزّة تُمَرِّغُ أنْفَ مِسْخِ القِرَدَةِ بِالْوَحْلِ
لقد ظن الكثير منّا أن القضية الفلسطينية ،قد أصبحت في عهدة التاريخ ،وأنها ستندثر في زحمة المهرولين نحو التطبيع ،تلاميذ ذلك الآعرابي الذي بال في بئر زمزم ،الذين داسوا على كافة القيم والمبادئ وشعروا بسعادة بالغة لتراجع القضية الفلسطينية ،لما في ذلك من تحررهم من المسؤولية ، ولما فيه من استرخاء وراحة بال.
أما أولئك الذين يرفعون راية المقاومة والتحدي ،كانوا ينتظرون اليوم الذي يثبتون فيه أن القضية الفلسطينية حية لا تموت ،وأن عروبة القدس وفلسطين تحميها سواعدٌ قويةٌ وعيونٌ ساهرةٌ مصرةٌ على بقاء القدس أرضا عربية مقدسة.
ويَصْدُقُ هُنَا التاريخ عندما قال لنا :إن التاريخ لا يصنعه إلا الأقوياء الشجعان ،الذين يصرون على انتزاع حقوقهم ،أما المتخاذلون فلا يصنعون إلا الخزي والعار،ونتائج أعمالهم وبالٌ على رؤوسهم.
وفي هذا عبرة للذين ظنوا أن المفاوضات مع أحفاد القردة ستنقذ ماء وجوههم.
في ذات الوقت الذي كانت فيه غزةُ تنتظر لحظة المبارزة ،لتثبت للمستهزئين المتخاذلين المنهزمين ،أنها قوة معتبرة ومهيبة في المنطقة يجب أن يحسب لها ألف حساب ،فالبطل عادة ما يدرك أنه لن يكون بطلا بدون مبارزة.
نعم هذا ما كانت تنتظره المقاومة ،التي لم يكن يقتنع بها الساقطون في أحضان أحفاد القردة ،الذين كانوا يسخرون من صواريخ المقاومة وينعتونها بالعبثية ،ويقولون :إنها مواسير تنك، دون أن يدور في خلدهم أن من يصنع ماسورة تنك ،يمكن أن يفجر رأس التناكين في المستقبل.
لقد وعدت المقاومة وأوفت بوعدها قال الله تعالى:(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَاعَاهَدُوا ۖوَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وأثبتت نفسها قوة معتبرة ومهيبة في المنطقة ،والمستهزئون أثبتوا سذاجتهم وانكفأوا يجرون أذيال الخيبة والفشل.
إننا في زمن الشعور بالترهل والهوان والذلة ،ونحن في أمس الحاجة إلى دفعات قوية لكي ترتفع معنوياتنا وتتعزز ثقتنا بأنفسنا.
وما قدمته لنا المقاومة على أرض غزة هاشم من درس في التضحية والفداء، والصمود والتحدي، والأداء الميداني المحكم ،بعث الحياة فينا من جديد وأخرجنا من دائرة الثقافة التفاوضية العبثية البائسة، لتبعث فينا الروح الجهادية من جديد.
بعدما عمل أحفاد القردة والخنازير بالتعاون مع عملائهم المطبعين أحفاد أبي رغال على إلحاق الهزيمة المعنوية بالشعوب العربية ،وتغييب وعيه الوطني، وإسقاط قضيته من تكوينه التربوي، لكن تخطيطهم خاب بأيديهم عندما ظنوا أن عملا عسكريا قد يُخضع المقاومة ،وها هم الآن يبحثون عن مخرج يحفظون به ما تبقى من ماء وجههم إن كان في وجههم أصلا ماء.
المهم أن الحرب الدائرة الآن أخرجت الشعب الفلسطيني ،وجميع الشعوب العربية من ثقافة معاهدات الذل والعار والانبطاح إلى ثقافة المواجهة .
غزة الصغيرة في مساحتها ،القليلة جدا في مواردها تتفوق في تقنيتها العسكرية على جميع الجيوش العربية التي ما زالت تستجدي أعداءها لتسليحها.
غزة تبعث بشائر النصر ،ومواكب الخير والنور ،في هذه الفترة العصيبة ،التي تكاد تأخذ بالخناق والتي يشعر فيها كلٌ منا بالأسى يعتصر قلبه ،والحزن يحيط به من كل جانب ،فلا يستطيع أن يتنفس.
إن ما يحدث للقدس وغزة مشهد فاضح لواقعنا الذي نعيشة ،وحالة القهر والهيمنة التي يمارسها النظام السياسي الفاسد بحق الشعوب ،وحالة الاختباء خلف جدران الخوف والذل والصمت ،والاكتفاء بمشاهدة [مسلسل القتل الممنهج بحق أهلنا على أرض فلسطين].