"فلسطين".. ناد في تشيلي عمره 100 عام
ليس ناديا رياضيا فقط ، يركل لاعبوه الكرة ويتناقلونها بينهم، هو رمز للهوية الوطنية الفلسطينية رغم بعد المسافة بين دولة تشيلي وفلسطين التي شرد شعبها قسرا نتيجة الحروب والمجازر والمؤامرات والخذلان التي ألمت بفلسطين على امتداد أكثر من 100 عام، حيث يعيش الفلسطينيون والعرب ذكريات مرارة النكبة هذه الأيام.
أخذت الجالية الفلسطينية الكبيرة المتواجدة في تشيلي (أكثر دول أمريكا اللاتينية احتضانا للجاليات العربية) على عاتقها الحفاظ على اسم فلسطين في ذاكرة الجالية الفلسطينية والعربية عبر تشكيل النوادي الاجتماعية والثقافية والرياضية، وكان من أهم وأكبر الإنجازات التي قامت بها تشكيل ناد رياضي تحت اسم "بالستينو" أي "فلسطين" بالإسبانية التي تعتبر اللغة الرسمية في تشيلي.
فلسطين هي محور هذا النادي فهي تحمل اسمه وتتألف ألوان قميصه من الأحمر والأخضر والأسود، وهي ألوان العلم الفلسطيني. وكشف "باليستينو" عن قميص جديد يأخذ فيه الرقم واحد شكل خريطة فلسطين، وقد اعترضت الجالية اليهودية في تشيلي على القميص، واعتبرته إقرارا بعدم الاعتراف بوجود اليهود في فلسطين.
ويشكل "باليستينو" أحد أكثر النوادي المجتمعية رقيا في سانتياغو ويوفر مسابح وملاعب تنس وأماكن لتناول الطعام لأعضائه.
وتأسس النادي الفلسطيني عام 1920 أي قبل تأسيس معظم الأندية الرياضية في تشيلي. وبدأ المشاركة في المسابقات الرسمية التابعة لجمعية الرياضة التشيلية في السنة التالية لتأسيسه، وحقق النادي أول ألقابه عام 1955 حين حمل كأس الدوري التشيلي، ثم تلاه العديد من الإنجازات أهمها فوزه بلقب كأس الدوري مرة أخرى عام 1978، محققا رقما قياسيا لا يزال صامدا لهذا اليوم في الفوز بلقب الدوري بدون أي هزيمة في أي مباراة.
وفاز النادي أيضا بكأس تشيلي مرتين عام 1975 و1977، واحتل المركز الثاني في الدوري عام 2008، ومن الإنجازات الأخرى التي حققها نادي فلسطين الفوز بلقب بطولة "كامبيوناتوس" أربع مرات في أعوام 1955 و1957 و1972 و1977. وما زال النادي يبحث عن إنجاز ولقب جديد يضيفه إلى خزائنه.
ويمتلك نادي "فلسطين" ملعبا خاصا به تأسس عام 1988 وسط العاصمة سنتياغو يتسع لـ 12 ألف متفرج، وما يميز استاد فلسطين هو ألوان مقاعد مدرجاته التي تشكل العلم الفلسطيني الذي اتخذ النادي ألوانه شعارا ورمزا له أثناء مبارياته الرسمية. وما يميز مشجعي النادي حملهم في كل مباراة الأعلام الفلسطينية وهم يهتفون باسم فلسطين وبالشعارات الفلسطينية مثل "الحرية والنصر لفلسطين".
ومن يستمع لتشجيع جمهور نادي "فلسطين" في مدرجات الملعب يشعر وكأنه في مظاهرة سياسية لا في مباراة لكرة القدم، وكأنه يجلس في فلسطين وليس في تشيلي على بعد آلاف الأميال.
وليس هذا فقط، فقد شارك ضمن المنتخب الوطني الفلسطيني العديد من لاعبي نادي "فلسطين" أبرزهم، ربيرتو بشارة، ربيرتو كاتلون، باترسيو مهنا، ادغاردو عبد الله.
ويعد الفلسطينيون في تشيلي أكبر مجتمع فلسطيني خارج الوطن العربي. تتراوح تقديرات عدد ذوي الأصول الفلسطينية في تشيلي بين 350 ألفا و500 ألف نسمة. وتركت هجراتهم بصمات واضحة بشكل واسع في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمالية في البلاد.
وأتى أوائل المهاجرين الفلسطينيين في خمسينات القرن التاسع عشر خلال حرب القرم، وعملوا في التجارة والزراعة. ووصل مهاجرون آخرون خلال الحرب العالمية الأولى ولاحقا خلال النكبة الفلسطينية عام 1948. وكانت غالبية القادمين تأتي من مدن بيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور.
وكان أغلب أولئك المهاجرين الأوائل من المسيحيين. وكانوا يحطون عادة في موانئ الأرجنتين، ويعبرون جبال الأنديز على البغال وصولا إلى تشيلي. وعدا أولئك الذين هاجروا في العقود السالفة، احتضنت تشيلي بعض اللاجئين في السنوات اللاحقة.
يعتبر اليوم فلسطينيو التشيلي من الأقليات الناجحة جدا فغالبيتهم ينتمون إلى الطبقة العليا والوسطى ومن المتعلمين وبرز عدد منهم في السياسة والاقتصاد والثقافة.
الغالبية الساحقة للمجتمع الفلسطيني في تشيلي يدين بالمسيحية، وفي الواقع فإن عدد الفلسطينيين المسيحيين في الشتات في تشيلي وحدها يفوق عدد المسيحيين الذين تمكنوا من البقاء في فلسطين. إحدى أول الكنائس الفلسطينية في سانتياغو، كنيسة سان جورج إجليسيا الأورثوذوكس، والتي تأسست عام 1917.
وغالبا ما ينعكس الصراع العربي الإسرائيلي على أبناء هذه الجالية التي تشارك وجوديا ومعنويا في جميع أحداث المنطقة بالتظاهر والبيانات والهتافات.
واعترضت الجالية اليهودية في تشيلي على القميص الجديد للفريق حيث يأخذ الرقم واحد شكل خريطة فلسطين، وقال زعيم الجالية إن القميص الجديد إقرار بأن "إسرائيل ملك للفلسطينيين".
وقال رئيس الجالية لصحيفة "التايمز" بأن "هذا شكل مقيت من العنف السياسي في كرة القدم التشيلية." وأضاف: "إنه تعصب مكروه."
لكن الفريق الفلسطيني الضارب بجذوره في أعماق الأرض قال في نبرة تحد واضحة ظهرت في بيان نشره على صفحته على فيسبوك: "بالنسبة لنا، ستكون فلسطين الحرة دائما هي فلسطين التاريخية، لا أقل من ذلك".