5 ألغام انفجرت في حضن اليمين الإسرائيلي
أخطر مخلفات سيف القدس 5 ألغام انفجرت في حضن اليمين الإسرائيلي، فما هي؟
1. الانتفاضة الشاملة للفلسطينيين في عموم الأراضي المحتلة عام 48، الذين أعلنوا عصيانا شاملا ضد دولة الاحتلال وهويتها وثقافتها ورموز قمعها، مسفرين عن هويتهم الفلسطينية دون مواربة، مشتبكين مع شرطة الاحتلال وجيشه ومستوطنيه وجماعاته المتطرفة، مجاهرين بدعمهم للمقاومة الفلسطينية دون تردد، في مواجهة حملات التمييز العنصري والفصل العنصري والطرد والتهجير والتهويد، بل إن اللد أوشكت على تحرير نفسها بنفسها، ولو كان هناك أي ظهير إقليمي للفلسطينيين في هذه المعركة الأخيرة، لأعلنت اللد نفسها مدينة محررة.
هذه الانتفاضة الشاملة في ام الفحم واللد وعكا وحيفا وغيرها فاجأت حكومة اليمين المتطرف، التي أدمنت خلال سنوات حكم نتنياهو على قمع الداخل الفلسطيني دون أن تواجه برد فعل جماعي شامل، باستثناء مظاهرات واحتجاجات هنا وهناك في الشارع والكنيست بمشاركة قيادات الأحزاب السياسية العربية، وهو ما شجع نتنياهو على مزيد من التطاول على حقوقهم منتشيا بإقرار قانون يهودية الدولة وبالضوء الأخضر الذي منحته إياه إدارة ترمب، ثم الكارت بلانش الذي منحته إياه بعض الدول العربية التي وقعت معه "سلام إبراهيم" دون مقابل، وبعدما أعلن بفخر أنه يمنح السلام مقابل السلام، منهيا وبكل عنجهية أوهام اتفاقات أوسلو ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي هيمن على الخطاب السياسي في المنطقة طيلة 30 عاما، ومطلقا رصاصة الرحمة على مبادرة السلام العربية التي هجرها أصحابها.
كيف ستواجه حكومة اليمين المتطرف هذه الانتفاضة؟ هل ستعزل فلسطينيي الداخل في جيتوهات كما حل باليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية؟ هل تغامر بفضح نفسها كدولة فصل عنصري؟ وهل يحتمل ضمير العالم ذلك؟ وهل سيقبل حلفاؤها ذلك؟ هذا السيناريو غير وارد ولا يمكن أن يوافق عليه أحد من حلفاء إسرائيل، فما بالك بخصومها، ولا يمكن أن يتحمله مجلس الأمن الدولي مهما كانت درجة انحياز قوى الاستعمار الحديث والقديم لإسرائيل، ولا يمكن أن تقبله الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولن تقبل به المقاومة الفلسطينية التي انتفضت من أجل الداخل المحتل عام 48 ومن أجل القدس ومقدساتها.
وإن كان سيناريو العزل المكاني غير مقبول دوليا، فهل تلجأ إلى تهجير (ترانسفير) ناعم إلى أراضي السلطة الفلسطينية أو إلى الأردن؟
لطالما كان هذا هو مخطط اليمين المتصهين، ولكن هذا الخيار أسقطته صواريخ القسام وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين حين أعلنت المقاومة بوضوح أنها سترد عسكريا وفي كل مرة تقدم فيها إسرائيل على طرد الفلسطينيين من بيوتهم او تهجيرهم منها.
وإن لم تفعل هذا أو ذاك، فهل يكون سيناريو عصيان مدني شامل من طرف فلسطينيي الداخل واردا، أو ربما حرب أهلية في حال واصل اليمين الإسرائيلي سياساته المتطرفة؟
في كل الأحوال فإن القنبلة الديموغرافية الفلسطينية في أراضي ال 48 انفجرت بالفعل في وجه معسكر اليمين في إسرائيل، وما سيحدد مسارها هو سلوك الحكومة القادمة وسلوك المجتمع الدولي ومدى قدرة المقاومة الفلسطينية على توسعة تحالفاتها الإقليمية والتنسيق مع قيادات الداخل الفلسطيني.
2. كيف تنزع حكومة اليمين المتطرف سلاح المقاومة الفلسطينية؟ وكيف تمنعها من إعادة بناء قوتها خلال مدة الهدنة، خاصة بعدما فوجئت بنقلة نوعية في صواريخ المقاومة من حيث المدى والسرعة والدقة والتصويب والاختراق والأثر؟
هل ستلجأ حكومة اليمين إلى التخطيط لشن حرب جديدة ساحقة ماحقة على حركة حماس في غزة على أمل شل قدرات المقاومة لعشرين سنة قادمة؟
ولكنها جربت هذا الخيار بالفعل في حرب الأحد عشر يوما، ولم تنجح إلا في تفجير بعض أنفاق المقاومة التي أسمتها مترو حماس، وفي اغتيال بعض قادتها، ولم تكن أمامها قائمة أهداف استراتيجية حقيقية يمكن أن تحرز من خلالها نصرا على حماس والجهاد واللجان الشعبية وباقي الفصائل، وهذا العمى الاستراتيجي في غزة يعود إلى تفوق حماس استخباريا على العدو وإلى إعدام الخونة والمخبرين أولا بأول، ومن المستبعد أن أي حرب جديدة تشنها حكومة اليمين يمكن أن تلقى دعما من إدارة بايدن أو تحقق أهدافا عسكرية باستثناء قتل المدنيين والاطفال والنساء وهدم البيوت والمباني والمصانع والبنى التحتية، وهي كلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بمفهوم القانون الدولي الإنساني.
استبعاد خيار الحرب لا يترك أمام اليمين الإسرائيلي إلا خيار الاحتواء، واحتواء حماس وفصائل المقاومة لن يكون إلا بواحد من طريقتين:
الأولى: إجراء انتخابات يمكن ان تفوز فيها قوائم المقاومة وتشكل حكومة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو خيار لا يضمن تحييد سلاح المقاومة أو نزعه، والمثال على ذلك حزب الله في لبنان، وقد يحول الضفة الغربية إلى شعلة منتفضة على غرار غزة، بدلا من أن يحول غزة إلى نموذج شبيه بالضفة الغربية. وبالتالي، فإن هذا الخيار لن يكون خيارا مضمونا بالنسبة لحكومة اليمين الإسرائيلي، خاصة إن ركبت رأسها في منع إجراء انتخابات في القدس.
والثانية: العودة إلى طاولة المفاوضات، مع جلوس المقاومة شريكا على تلك الطاولة، والتوصل إلى حل حقيقي توافق عليه، ولكن هذه النتيجة التوافقية مسألة مستبعدة في استمرار وجود اليمين الإسرائيلي في الحكم، وقد يكون البديل استدراج المقاومة إلى حل يحولها إلى سلطة حكم ذاتي على غرار سلطة محمود عباس، أو جزء من سلطة الحكم الذاتي، وبالتالي يتم احتواء سلاحها احتواء ناعما ، إذ تنشغل بتسيير شؤون الحياة اليومية للشعب الفلسطيني فتغرق في ذات الدوامة التي أغرقت من قبلها حركة فتح حين تحول جزء منها إلى سلطة، وهو ما ستسعى إليه حكومة اليمين بدعم من حلفائها الإقليميين ورعاتها الدوليين.
هذا الخيار، يبدو الأٌقرب إلى ذهنية اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويمكن بوضوح الاستدلال على اختيار هذا المسار من تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقبول التفاوض مع حماس بشكل مباشر أو غير مباشر حول الصراع في المنطقة، ومن استئناف علاقات حماس مع كل من سوريا والأردن والحميمية المفاجئة التي حلت بالعلاقات مع مصر، ولا شك أن دولا أخرى كثيرة ستلحق بهذا الركب وتخطب ود حماس في محاولة لاحتوائها بدلا من عزلها، بعدما تبين غباء سياسة العزل التي أعطت نتائج بعكس ما تخطط له إسرائيل وحلفاؤها، حين لجأت حماس إلى إيران ومحور المقاومة بديلا عن النظم التي تدور في الفلك الأمريكي، حيث أعلن السيد هنية صراحة عن شكره لدعم الجمهورية الإسلامية التي مدت المقاومة بالمال والسلاح والتكنولوجيا.
من جهة ثانية، فإن المقاومة قد تتعلم من أخطاء حركة فتح وتلعب لعبة حزب الله فتواصل مراكمة القوة في ذات الوقت الذي توازن فيه بين متطلبات السياسة والمقاومة.
3. انهيار مخططات نتنياهو واليمين المتطرف التي تم العمل عليها بدأب خلال العقدين الماضيين، والتي حملت عناوين التهويد والتهجير والتوطين والوطن البديل ويهودية الدولة وأخيرا صفقة القرن وما تلاها من تطبيع مجاني أو اتفاقيات السلام مقابل السلام، خاصة بعدما ألهب انتصار المقاومة المعنوي شعور الشعوب العربية كلها، بما فيها تلك التي هرولت نظمها نحو التطبيع، وأحيت الأمل بإمكانية تحرير فلسطين، بعدما ساد اليأس الذهنية العربية أمدا طويلا، فالمعجزة التي حققتها المقاومة المحاصرة في غزة منذ عقد ونصف من الزمن أرسلت رسائل جعلت الكل يتساءل: ماذا لو كانت هذه المقاومة تتلقى دعما من الدول العربية والإسلامية بدل محاصرتها وعزلها؟ ماذا لو كانت تملك 10% من إمكانات الجيوش العربية من حيث القدرة الصاروخية؟ ماذا لو كانت تتلقى إسنادا سياسيا ودبلوماسيا في المحافل الدولية بدل حالة التجاهل والتنكر والعداء ووسمها بسمة الإرهاب؟!
لقد أعلن السيد إسماعيل هنية في خطابه بعد وقف إطلاق النار أن المقاومة قد أسقطت كل هذه المشاريع، وأنها لن تسمح بالتهويد أو التهجير ولا تقبل بالتوطين وإعادة التوطين ومشاريع الوطن البديل، ولا تقبل بمعاملة الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 48 كجسم دخيل، في حين أنهم أصحاب الأرض والحق والتاريخ والجغرافيا والثقافة والإرث الحضاري، أما صفقة القرن وتهويد القدس فقد بادرت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس إلى رفضها في عهد ترمب محركة مسيرات العودة إلى الحدود والتي دفع ثمنها الغزيون مئات الشهداء والإصابات، وهي مستمرة في النهج ذاته مدعومة اليوم بكل فلسطينيين الداخل والشتات، وليس فقط بتأييد أهل غزة وجزء من الضفة الغربية.
4. انهيار أسطورة نتنياهو السياسية والعسكرية وإعلان شهادة الوفاة لحكومته الائتلافية، ومن المعلوم أن القوي والضعيف حين يتعادلان في المعركة، فإن القوي يخسر، والضعيف ينتصر، وهو ما حدث في معركة سيف القدس، فقد كانت المقاومة ندا لجيش الاحتلال رغم الفارق الهائل في الإمكانات والظروف، وبقيت قادرة على القصف والتهديد به حتى لحظة سريان الهدنة، وأحدثت من الخسائر المعنوية في صفوف الاحتلال أضعاف ما أحدثته من الخسائر المادية التي كانت بدورها مؤثرة وغير مسبوقة، ولم يسبق حتى للجيوش العربية أن أوقعتها في صفوف الاحتلال، وهو ما يعلنها منتصرة ويعلن نتنياهو منهزما، والتاريخ يقول إن الشعوب لا تسمح بعودة قائد مهزوم أو حكومة مهزومة، وعليه، فإن من المستبعد أن يعود نتنياهو إلى تشكيل الحكومة، خاصة مع جرائم الفساد التي تلاحقه، والتي توجتها اليوم وصمة الهزيمة وتهاوي نظرية الردع وأسطورة الأمن وذهنية حارس الأسوار!
ويبقى السؤال هل ينجح ليبيد في تشكيل حكومة، وما هي مواصفاتها إن تشكلت، في ظل حقيقة تاريخية أخرى هي أن الشعوب حين تشعر بالهزيمة أو عدم الرضا عن الحكم، تختار شخصيات أكثر يمينية من التي سبقتها؟ وماذا إن تشكلت حكومة أكثر يمينية وصقورية من حكومات نتنياهو المتعاقبة؟ القراءة المجردة تقول إن هذه الحكومة الصقورية قد تلجأ لخيارات أكثر تطرفا من خيارات نتنياهو المتطرفة، كسيناريو الحرب الشاملة أو التهجير الخشن، وهو ما قد يشعل حرب تحرير في مواجهتها، وهي حرب قد تنخرط فيها قوى إقليمية تغير كل المعادلات، خاصة مع وجود بذرة الحرب الأهلية قائمة داخل أراضي ال 48، ولكن هذا السيناريو يصعب أن يمر بوجود إدارة بايدن وضمن منظومة التحولات الدولية وتهاوي الهيمنة الدعائية الصهيونية التضليلية على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في العالم، حتى وإن كانت قد كشرت عن أنيابها في الحرب الأخيرة باعتبارها مخلب قط لتلك الهيمنة.
5. انهيار شرعية حليف نتنياهو محمود عباس الذي تحدى قيادات فتح ومنظمة التحرير بقوله إن نتنياهو باق رغما عن أنف "الراضي والزعلان"، فالسيد عباس حين عادى حماس وقوى المقاومة خسر شرعيته في الشارع الفلسطيني، وفي حال غير موقفه واحتضن حماس فإنه سيخسر علاقاته مع اليمين الإسرائيلي، وفي كل الحالات فإن السيد عباس لم يعد "يمون" حتى على شعبه في الضفة الغربية الذي خرج مشتبكا مع جيش الاحتلال على المعابر دون أوامر منه، الأمر الذي يعني أن قدرته على ضبط إيقاع الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية تتراجع، خاصة إن وقعت مواجهة جديدة، وبالتالي فإن أي حكومة يمينية قادمة ستفكر في حل قد يدفعها للعمل على استبداله بشخص أكثر قبولا يواصل لعب نفس الدور، أو ربما تسعى إلى إشراك المقاومة الفلسطينية في الحكومة القادمة، بقيادته أو تحت قيادة رئيس جديد، لأن المخاطرة باستمرار مل السلطة الفلسطينية بنفس الوجوه سيقصر من عمرها وربما ينهي دورها وظيفيا، وهو ما لا يرغب به اليمين المستفيد من وجودها إلى حين استكمال مشروعه على الأرض.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث، والمشهد الفلسطيني والإقليمي بوجه عام، مرشحان لتطورات كبيرة، ويبقى شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة عاملا حاسما في قدرة حارس الأسوار على التعامل مع ألغام سيف القدس.