عطش الشمال: أسباب ما بين الماضي والحاضر.. وحلول مبتكرة مركونة على الرف
بديعة الصوان - المفرق - إقليم ملتهب. وما نتج عنه من لجوء الالاف. الجغرافيا، وسوء إدارة الموارد عوامل تاريخية يتفق سياسيون ومحللون أنها ساهمت بشكل مباشر في وضع الأردن امام واقع مائي "حرج".
على أنه من الممكن التخفيف من حدة هذا الوضع الحرج، بحلول بسيطة تبدأ من المنزل، ويعتقد خبراء المياه أنها فعالة كالحصاد المائي، استخدام قطع توفير المياه وإعادة تدوير المياه الرمادية.
ظروف مائية صعبة تواجه أبناء الشمال
كان نصيب أهالي قرية المشيرفة، الواقعة شمال محافظة المفرق، أن يعيشوا في منطقة مرتفعة جغرافيًا، الأمر الذي يحد من وصول المياه إليهم كباقي مناطق المحافظة.
تصل المياه إليهم مرة واحدة شهريًا لمدة ساعتين، ما يضع أهالي القرية أمام خيار وحيد: شراء المياه عبر "صهاريج المياه" بأسعار مرتفعة نتيجة غياب الرقابة على أصحابها، حتى بلغت قيمة "التنك 4 متر" واصل إلى المنزل 22 دينارا.
يقول أبو مازن، ابن تلك القرية، "ما نكاد نخرج من مأزق فصل الشتاء ومعاناة التدفئة، حتى ندخل في مأزق أكبر، وهو فصل الصيف ومشكلة المياه".
ويضيف أن تكلفة شراء المياه شهريا تتجاوز 44 دينارا، المتر الواحد بقيمة 3 ونص دينار، مع اتباع أساليب ترشيد المياه، فضلا عن فاتورة المياه التي لا تصلهم بقيمة 12 دينارا شهريا.
حال تلك القرية أفضل بكثير من حال حي "ربوة بني خالد" في محافظة المفرق، حيث لا تتوفر شبكات المياه في أكثر من 60 منزلا منذ 15عاما، بحسب أبناء الحي.
إبراهيم الخزام، يقول إن غالبية أبناء هذه الحي يربون المواشي ويزرعون الأشجار، الأمر الذي يفاقم الأعباء المادية عليهم، حيث يحتاج المنزل في الشهر الواحد إلى صهريجي من مياه الشرب أي ما يقارب 50 دينارا.
فادي طبيشات، يروي معاناته مع انقطاع المياه كل صيف منذ أربع سنوات في منطقة آبان التابعة لمحافظة إربد.
وحتى إعداد هذا التقرير، يقول طبيشات "ما زالت المياه مقطوعة عن أهالي المنطقة منذ40 يومًا، بسبب ضعف خط المياه، وبالرغم من المطالبات، وآخرها كانت تقديم عريضة وقع عليها 150 شخصا ورفعت لوزارة المياه، إلا أنه لا جديد يذكر بالرغم من الوعود المستمرة".
خلال الـ40 يوما قام أهالي ابان بشراء المياه وما قبلها، كان المواطنون يضطرون لطلب إجازات كل أسبوع من وظائفهم للتوجه لسلطة مياه اليرموك، والتقديم على تصريح للحصول على صهريج مياه، ما يسبب لهم الإرهاق والأعباء المادية، بحسب طبيشات.
ويضيف "هناك الكثير من قرى إربد تعاني من نفس الإشكالية، كالحي الشرقي وبشرى وشمال إربد والبارحة، بالمقابل هناك مناطق تصلها المياه بانتظام بحجة اختلاف الطبيعة الجغرافية".
ما الحل: ماذا يمكن أن يفعل الناس؟
يرى مدير تطوير الأعمال في شركة الأمان لقطع توفير المياه المهندس أنس علاونة، ان الحل هو استخدام قطع توفير المياه في المنازل.
ويمكن تركيب هذه القطع الصغيرة على كل مخارج المياه في المنزل بما فيها الصنابير و"الدشات" الموجودة، وهي حلول بسيطة ولكنها ستوفر على الاقل بين 30 و35 % من كمية المياه المستهلكة ما يقلل من قيمة فاتورة المياه وكذلك، قيمة شراء المياه من الصهاريج.
ويعتبر علاونة أن سلوكيات الأفراد في المجتمع تتجه كليا إلى "الإسراف" في المياه والسبب في ذلك أنهم "لا يشعرون بأهميتها"، لذلك لا بد ان يكون هناك توعية أكبر حول أساليب ترشيد المياه في المنازل وهذه مسؤولية تقع على عاتق وزارة المياه والري.
مدير العمليات في شركة سولفيلون، المختصة بالحلول المائية، المهندس معتز الظاهر يتفق مع علاونة، معتبرًا أن الحل الأفضل هو توعية الأفراد باتباع سلوكيات رشيدة في التعامل مع المياه.
وينصح الظاهر بإعادة استخدام المياه الرمادية التي تخرج من الفلاتر، والاستفادة منها في ري المزروعات أو في تنظيف المنزل.
ويشير إلى ضرورة فصل المياه الرمادية عن المياه السوداء، وهي مياه المغاسل ومياه المطابخ، حيث يمكن إعادة استخدامها لغايات الزراعة المنزلية.
ويرى الظاهر أن طريقة الحصاد المائي المنزلي، "فعالة" أكثر في المنازل المستقلة، على العكس من الإسكانات التي لا يتوفر بها أسطح.
فكرة الحصاد المائي تقوم على تجهيز سطح المنزل بحيث أن مياه الأمطار يتم تجميعها في خزان ماء أرضي واستخدامها لاحقاً.
وإذا كان سطح المنزل نظيفا يمكن استخدام هذه المياه داخل المنزل، أو يمكن استخدامها لغايات زراعية.
ويضيف الظاهر "يمكن الجمع بين نظامي معالجة المياه الرمادية، والحصاد المائي، بحيث يتم جمع هذه المياه ووضعها بنظام معالجة مياه رمادية واستخدامها لعدة أغراض.
أقليم ملتهب نتج عنه احتضان الشمال لألاف اللاجئين
إن الزيادة السكانية الكبيرة في الأردن، والتي تُنسَب إلى تدفق اللاجئين السوريين، قرّبت موعد استنفاذ المياه كثيراً، وبحسب أرقام حكومية، فإن الشمال يستضيف أكثر من ثلثي أعداد اللاجئين في الأردن.
ووفقا لبيانات شبه رسمية، انخفض متوسط الإمدادات اليومية من المياه في البلديات الشمالية، إلى أقل من 30 لتراً في اليوم للشخص الواحد.
ويُعتبر توفير مقدار 80 لتراً في اليوم للشخص الواحد ضرورياً لتلبية الحاجات الأساسية فقط.
وفي مدينة المفرق، ازداد العجز المائي أربعة أضعاف بسبب الضغوط الناجمة عن تدفّق اللاجئين، وحاجتهم القصوى للمياه أيضا.
وحتى قبل تدفّق اللاجئين، كان من المتوقّع أن يتضاعف عدد سكان الأردن بحلول العام 2024.
وبحسب دراسة أجراها مركز كارنيجي للشرق الأوسط كان من المتوقّع أن تنخفض إمدادات المياه بمقدار النصف.
واستناداً إلى أرقام تعود إلى ما قبل الأزمة السورية، توقّع محلّلون أن يستنزف الأردن كل موارده من المياه العذبة الجوفية بحلول العام 2060.
الناطق الاعلامي لمياه اليرموك المهندس معتز عبيدات رفض التصريح بخصوص الوضع المائي في محافظات الشمال في الوقت الحالي، معتبرا أن الوضع المائي صعب في كل انحاء المملكة.
وكان المنتدى الاقتصادي العالمي ادرج الأردن من بين الدول التي قد تواجه عجزا خطيرا بسبب الوضع المائي حتى العام 2025، وذلك ضمن تقرير بعنوان "إذا كنت ترغب بإحراز تقدم في جميع التحديات العالمية الرئيسة.. فابدأ بالمياه"، منتقدًا "إهمال" الحكومات والأفراد والشركات لقطاع المياه.