ما حدث في "النواب" أعمق مما نتصور


 
حين تابعت فصول "الملهاة" التي شهدها مجلس النواب خطر الى بالي سؤالان: الأول كيف وصلنا -اقصد المجتمع والنخب- الى مثل هذه "الرداءة" السياسية، ثم من اوصلنا الى ذلك، الثاني : ‏هل يعقل أن نصمت على هذا الوضع وأن تقبله ثم لا نجد من بيننا "نخبة" عاقلة تخرج لتقديم ما يلزم من مبادرات جادة ومؤثرة لتصحيح الاعوجاج، وإعادة بلدنا إلى سكة السلامة.
 

‏الإجابة على السؤال الأول أصبحت معروفة، فعلى امتداد السنوات العشر الماضية -على الأقل- انكشفت أمامنا صورة الخيبات التي أصابتنا، وأصبح الأردنيون -أو معظمهم- يعرفون تماما ما حدث، ويشيرون إلى عناوينه وأسماء النخب التي ساهمت فيه، بما يعني أن عملية التشخيص موجودة بكل تفاصيلها، وسواء أنكرها بعض من لا يريد أن يعترف بها لأسباب مفهومة، أو من اعترف بها ووقف عاجزا عن وضع ما تحتاجه من حلول، فإن النتيجة واحدة، وهي أن لدينا أزمة عميقة ومعقدة لا بد من مواجهتها، ليس بالتنظير ‏والتغطية والتقسيط والوعود، وإنما بمقررات جادة متزامنة مع إرادة حازمة لا تقبل التشكيك.

 
‏اما الإجابة على السؤال الثاني فتحتاج إلى الإشارة لعدة ملاحظات، الأولى ان ما جرى في مجتمعنا من ردود وانفعالات على ما حدث في مجلس النواب (وغير ذلك من الوقائع) يعكس بالضرورة، ويتطابق أيضا، مع ما حدث في مؤسسات الدولة، وبالتالي فإن اتهام المجتمع وما تمثله النخب المحسوبة عليه بأي خطأ يفترض أن يتوازى معه فهم لحركة الدولة ومؤسساتها، اذ لا يمكن أن ندين ما فعله النائب أو ما قام به جمهوره الا اذا فتحنا أعيننا على أداء المجلس أولا، وعلى ثقة الناس فيه ثانيا، وعلى السياقات السياسية التي خرج منها النواب، أو باختصار على الأداء العام للدولة أولا .. وللمجتمع ثانيا.

 
‏الملاحظة الثانية هي أن حالة الصمت أو الاستقالة من السياسة التي انحازت إليها النخب السياسية التي تمثل المجتمع، كانت إفرازاً متوقعا لما جرى من عملية "تجريف" وتكسير استهدفت الفاعلين في المجال العام، وبالتالي فإن انتظار بروز كتلة تاريخية اردنية تقوم بواجب "التصحيح" ما زال حلما بعيدا، وهنا يجب أن نضع أيدينا على قلوبنا لان البديل لهؤلاء هو حركة الشارع، وهذه غير مضمونة النتائج، ويمكن أن توظف في اتجاهات ضد مصلحتنا جميعا.

 
‏اما الملاحظة الثالثة فهي أن الاستثمار الذي عانينا منه، وما نزال، على صعيد صناعة "المناكفات" بين الدولة والعشيرة، هذا الاستثمار مغشوش ويجب أن ننتهي منه تماما، فدور العشيرة معروف وحركتها يجب أن تكون مضبوطة في اتجاه اجتماعي يعزز دور الدولة ومهماتها، وبالتالي فإن الوقت قد حان "لترسيم" الحدود داخل الدولة والمؤسسات السياسية والاجتماعية بحيث تستعيد الدولة -والدولة فقط- مكانتها وهيبتها التي تستند أصلا الى هيبة المجتمع وكل من يعيش فيه.

 
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان اختزال الإساءة (ناهيك عن توظيفها) للبرلمان او لغيره من المؤسسات في كلمة لنائب او خطبة لمتحدث تغطي على الصورة الحقيقة للواقع الذي نحن فيه، ذلك انه ثمة اساءات اكبر تصدر تباعا من جهات مختلفة، ومسؤولين ونخبا، على صور مختلفة، منها أخطاء وتقصير واستهانة بالمسؤولية وعجز عن الأداء وربما فساد مالي واداري .. الخ، هذه كلها اساءات يجب ان يحاسب عليها أصحابها ، والا فإن "فزعات" بعض الشباب المتحمسين للدفاع عن "البطل الوطني"، ستظل هي العنوان الملهم الذي سيغري الكثير من الشباب على البحث عن ملاذات اجتماعية آمنة لانتزاع حقوقهم، او سيدفعهم الى ترسيخ ظاهرة "الرداءة" السياسية لتصبح مقبولة من المجتمع ومرحبّاً بها أيضا.