لماذا اطلقت فورين بوليسي على الاردن "مملكة الموز"؟



لماذا تطلق مجلة عالمية وجادّة مثل فورين بوليسي Foreign Policy صفة "مملكة الموز" Banana Monarchy على الأردن وهو دولة كان الجميع يحترمها بل ويحسدها على ما هي فيه خلال حكم الملك حسين، علماً أن هذه الصفة لا تُعطى إلاّ للدول الفاشلة والتي اثبتت عدم قدرتها على حكم نفسها بنفسها والتي تتميز بالفساد والاستبداد والتسلط وغياب المؤسسية وعدم احترام القانون، كما تشير الى ذلك أدبيات السياسة الدولية ؟

المعظم يتجاهل أي دور للأردن والبعض يعطيه إشارات مجاملة فقط، ولكن الحكم في الأردن يعلم جيداً أن الأردن يقترب من خط النهاية في دوره الاقليمي، وأن الاحداث قد تجاوزته نتيجة لسياساته وخياراته الخاطئة وعدم قدرته على قراءة الأمور بشكل صحيح، واعتماده على مجموعة ضعيفة من المسؤولين ولا أقول مستشارين لأن المستشارين الحقيقيين قد انقرضوا من الجسم السياسي الأردني منذ فترة طويلة .

الأردن سقط في الواقع من حسابات الآخرين في المجال الاقليمي والدولي، وتم الغاء دوره حتى في الأمور المصيرية المرتبطة بأمنه الوطني كقضية فلسطين والقدس والضفة الغربية كما ثبت مؤخراً . والأردن اذا فقد هذا الدور يصبح وجوده على المحكّ ولاشئ يمكن أن ينقذه من مصير بائس يقارب النزعة الى اقتراف معصية الانتحار الذي لا يخدم أي قضية سوى حماية المصالح المادية لطبقة المتنفذين والرقص على طبول المنفعة وتجاهل المصلحة الوطنية، باعتبارها كماً لاقيمة له ولا فائدة شخصية ترجى منه.

إن ما دفع مجلة فورين بوليسي لكتابة ما كتبته عن "مملكة الموز" ربما يعود الى فشل الأردن الصاعق مؤخراً في لعب أي دور مؤثر عشية وخلال وبعد حرب اسرائيل الأخيرة على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، واكتفاء الأردن بابداء الدعم العجيب واللامحدود لمحمود عباس وسلطته الفلسطينية، وتجاهل وجود حماس كقوة فاعلة ومؤثرة على الساحة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً مقارنة بالوجود الباهت لسلطة محمود عباس، علماً أنه لايوجد سبب منطقي يفترض أن دعم هذا يتطلب معاداة ذاك.

إن من نتائج هذا الفشل الخطير في التخطيط السياسي أنه قد وأد بشكل حاسم أي حق للهاشميين في المطالبة باستمرار الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس. فهذا المطلب قد سقط فلسطينياً وإلى حد ما عربياً نتيجة لفشل أو إفشال الأردن في الدفاع عن دوره في حماية المقدسات والاكتفاء بتقديم الدعم المادي لتوفير بعض الخدمات اللوجستية علماً أن الأمر أكبر من ذلك بكثير وأخطر من ذلك بكثير. فالوصاية في جوهرها هي وسيلة لحماية تلك الأماكن ومنع فرض المخططات الاسرائيلية عليها . ولكن يبدو أن الحكم الأردني قد فهم موضوع الوصاية خطأ ً على أنه وسيلة لإضفاء الشرعية الدينية على نظام الحكم الهاشمي وليس حماية تلك الأماكن من محاولات التهويد . لقد ثار الأردن دفاعاً عن أمور بروتوكولية مَسَّت زيارة موعودة لولي العهد الأردني الى المسجد الأقصى أكبر من ثورته على انتهاكات اسرائيل لتلك الأماكن وقدسيتها بإعتبارها جزأ ً من الأرض الفلسطينية المحتلة .

الحكم في الأردن قد اختار مجمل هذا المسار بنفسه ولنفسه، والأردنيون يدفعوا الآن ثمن هذا الخيار بشكل مؤلم وخطر جداً على مستقبلهم ومستقبل دولتهم .

عندما تمت المطالبة مؤخراً بالاصلاح الحقيقي كوسيلة للإنقاذ والخروج من هذا المأزق ومآزق أخرى كثيرة بأقل الخسائر،اعتبر بعض المسؤولين أنها لعبة لأنهم بكل بساطة لم يستوعبوا حجم الأخطار المحيقة بالوطن وابتدأ التغني بمسار اصلاحي مضحك ومبكي في نفس الوقت يتولاه مسؤولون هم في واقعهم جزاً من المشكلة وليس جزأً من الحل ولايملكوا من المؤهلات ما يسمح لهم بالتعاطي بشكل جدي مع متطلبات الاصلاح الحقيقي .

لقد فعل الحكم في الأردن كل هذا بنفسه ولنفسه وهو يحصد ما زرعه من خلال فعله لما يلي :-

أولاً . العبث بالدستور الى الحد الذي أفقده احترامه ودوره كركيزة لاستقرار البلد.

ثانياً . إضعاف مؤسسات الحكم الى الحد الذي أصبحت فيه الحكومة ظلاً باهتاً، ومجلس النواب يدور حول نفسه باستمرار دون أن ينجز شيئاً وقراراته أصبحت حبراً على ورق وغير ملزمة للحكومة، والقضاء يبحث عن نفسه واستقلاله بلا فائدة، وتم حصر كافة السلطات بيد شخص واحد .

ثالثاً . إضعاف مؤسسات الدولة كافة وتعيين الأشخاص الأقل كفاءة. والى الحد الذي أصبح فيه المسؤول في أي مؤسسة إماّ غير قادر على اتخاذ القرار، أو غير راغب بذلك خشية من فقدان منصبه .

رابعاً . حصر كفاءة الدولة في دورها الأمني وكجابياً ضريبياً يده في جيب المواطن قبل أن يتمكن المواطن نفسه من وضع يده في جيبه الخاص . وهكذا يتم تمويل الفساد والسياسات الرعناء من خلال اقتناص المواطن وقتل روح الريادة والمنافسة لديه، مما يساهم بشكل فعال في تدمير الاقتصاد في ظل غياب أي مشاريع تنموية ومشاريع بنية تحتية وحصر الانفاق العام بالرواتب وشراء الولاآت والذمم وتكريس مفهوم الدولة الأمنية على حساب الدولة المدنية الناجزة، واعتبار الدولة ومواردها في خدمة المؤسسة الأمنية وليس العكس.


lkamhawi@cessco.com.jo