في الأردن: ذكرى الاعتقال وملفات الإصلاح وحقوق الانسان
كما يقول المثل الشعبي تنذكر وما تنعاد، يصادف اليوم 31-5- 2020 ذكرى اطلاق سراحي بعد اعتقال بسبب منشور على صفحتي على الفيس بوك، وذلك في عهد حكومة الخراب السابقة، والتي اطلقت على نفسها النهضة، وما اقبح (...) حين تحاضر وتنظر بالأخلاق والمثل، وللأسف فانه لازال بعض اشخاص تلك الحكومة اعضاء في الحكومة الحالية، يتصدرون المشهد، ويتشدقون بالإصلاح والديمقراطية وحقوق الانسان، وينظرون في الوطنية والانتماء، فيما لاتزال الدولة العميقة ممسكة بكل تفاصيل السلطة، ومستمرة في استخدام سياسة القبضة الامنية وتكميم الافواه كنهج في التعامل مع كل صوت وطني حر، وحتى لا نتهم بالسوداوية، او يخرج علينا من يريد ان يبيعنا وطنية او يزيد او يزايد علينا، فان حالة التدهور الخطير والمزري لحقوق الانسان والحريات العامة في عهد حكومة الخراب السابقة، قد وثقته تقارير الكثير من المنظمات العالمية المعنية بحقوق الانسان وحرياته، ولقد كشفت تقارير تلك المنظمات كيف تم استغلال جائحة كورونا بصورة بشعة جدا للتلاعب في منظومة الحقوق والحريات، والتي ترتب عليها انتهاكات خطيرة وواسعة لحقوق الانسان وحرياته العامة بشكل كامل، ولعل ما يثير الاستغراب ان قانون الدفاع لازال ساري المفعول حتى اليوم رغم رحيل الحكومة السابقة والفشل الذريع في التعامل مع ملف كورونا، وبالتالي تنتفي الحاجة وتسقط كل مبررات استمرار سريان هذا القانون.
كما انه من المستغرب والمدعاة للتساؤل، ان الطغمة المتسلطة التي تمارس هذا النهج في الحكم والاستقواء على المواطن، تعتقد انها بهذا الاسلوب تحقق مصالح الاردن العليا، وتحفظ امنه واستقراره، وهذه اوهام ومزاعم اثبتت الوقائع والاحداث سواء في الاردن او الاقليم بشكل عام او مسرة التاريخ في العالم عدم صوابها على الاطلاق، لا بل ان مضارها اكثر بكثير وخصوصا على الصعيد الخارجي، حيث الاساءة لصورة الاردن، وحرمانه من الكثير من المنح والمساعدات، وخصوصا ان كثيرا من الدول المانحة تضع حقوق الانسان وحرياته على راس اولوياتها في الشرق الاوسط وتربط كثيرا من ما تقدم من مساعدات بمدى احترام حقوق الانسان وحرياته في الدول المستفيدة، والاردن ليس استثناءا، وهو الامر الذي سبق وحذرنا منه مرارا وتكرارا، وفي اكثر من مناسبة ومقال، كان اخرها المقال الذي نشرناه في هذا المنبر بعنوان: لا تحولوا الوطن الى سجن كبير بموجب القانون، وبالمناسبة كان هذ المقال قبل وصول بايدن الى السلطة في الولايات المتحدة الامريكية.
ان الاعتقالات التعسفية والقمع والمضايقات التي يتعرض لها الكثير من أبناء الاردن، ومنهم كاتب هذه السطور، من غير جريرة ارتكبوها اللهم الا ممارسة حقوقهم الإنسانية وحرياتهم العامة، دليل على افلاس سياسي وفقدان للرؤية وقراءة مغلوطة للمشهد وانقصال تام عن الواقع، اللهم الا اذا كان لدينا من يسعى الى تحقيق إنجازات من نوع جديد مثل حصول الأردن على مرتبة متدنية جدا جدا على سلم الحريات العامة واعتباره ضمن قائمة الدول التي لا يوجد فيها حرية، وتصنيفه كدولة تسلطية بامتياز، او دولة فاشلة، مما يقوض شرعية النظام السياسي!
واذا كان الملك عبدالله الثاني قد اكد بالأمس ضرورة السير في عملية الإصلاح بجدية وشفافية، فان هذا التوجه الملكي يستلزم مراجعة جادة وشاملة لهذا الملف، كفيلة بتصويب هذا الواقع المزري لحالة حقوق الانسان في البلاد، بالتزامن مع تطورات ملفات كثيرة في البلاد منها حالة معتقلي الراي وضحايا قانون الجرائم الاليكترونية الذي يعتبر استمرار نفاذه تقويضا مباشرا لكل محاولات الاصلاح في البلاد.
وإذا كان لتجربة الاوراق النقاشية الملكية وتوصيات لجنة الحوار الوطني وغيرها من مبادرات بقيت حبيسة الادراج دور كبير في تعثر مسيرة الاصلاح السياسي في الأردن، فإنَّ غياب ملف حقوق الانسان عن هذه المبادرات، يشكل تحدي كبير لهذه المبادرات ويؤكد على انه لا مستقبل واعد للديمقراطية او الاصلاح السياسي الجاد في البلاد حتى لو تم عقد الالاف الحوارات وتشكيل مئات اللجان واطلاق عشرات المبادرات. نامل ان تجد هذه الصرخة اذانا صاغية وذلك حفاظا على امن الاردن واستقراره وسمعته وصورته في المحافل الدولية، فحقوق النسان وحرياته هي جوهر الاصلاح و الديمقراطية، إذ لا يمكن تصور قيام ديمقراطية حقيقية في ظل استمرار الاعتقالات التعسفية والاحكام الجائرة والمحاكمات التي تفتقد ابسط شروط المحاكمة العادلة.
** اكاديمي وكاتب اردني