ماذا لو اختفت الإنترنت؟!
لا يمكن للإنترنت أن تختفي لأسباب تقنية خاصة بها أو بالظروف العادية للكرة الأرضية. ولن يحدث كما توقَّع كاتب الخيال العلمي البريطاني إي إم فورستر في قصته القصيرة الشهيرة بعنوان "توقف الآلة"، 1909م، حيث يتخيل بشكل مدهش نظام اتصالات شبيه إلى حد ما بالإنترنت اليوم. فجاء يوم من دون أدنى تحذير، تعطَّل فيه نظام الاتصالات بأكمله في جميع أنحاء العالم. ونتيجة ذلك: "سقطت الحضارة التي غلفت نفسها في شرنقة نظام آلي لدعم الحياة".
فالإنترنت اليوم ليست آلة واحدة، أو حتى آلات عديدة، بل شبكة لامركزية واسعة ومرنة للغاية؛ حتى لو تقطعت أجزاء منها، فلن يؤدي ذلك إلى تعطُّل النظام بأكمله، باستثناء الاصطدام بكوكب قطره 32 كلم، أو حرب نووية حرارية، كما يقول عالِم الكمبيوتر بيتر دو جاغر الذي أطلق الصرخة التحذيرية في تسعينيات القرن العشرين من كارثة الوصول إلى عام 2000م، حين ستختفي الإنترنت، وكان مخطئاً.
ولكن الأصح هو القول إن الإنترنت ستختفي بالمعنى الذي ورد في محاضرة أريك شميدت في منتدى دافوس 2015م، وكان حينها الرئيس التنفيذي لغوغل، وقصد أن الإنترنت ستختفي لأنها ستصبح جزءاً منا ومن الأشياء والخدمات اليومية؛ ولن تبقى شيئاً خارجياً. وبهذه الحالة، يُحال الموضوع إلى عالم الخيال، ولن يعود موضوع مقالة عادية.
لكن إذا اختفت الإنترنت لأسبابٍ لا نعرفها اليوم سيكون الوضع قاتماً:
بما أن شبكات الهاتف والتلفزيون ومواقع التواصل والأقمار الاصطناعية أصبحت متشابكة أكثر فأكثر مع الإنترنت في الوقت الحاضر، لذا قد تصبح خدمات كل هذه الشبكات غير متوفرة في وقت واحد. وسيصبح في الحال، مئات ملايين الأشخاص المدمنين عليها في حالة من الاضطراب.
وسيحاول هؤلاء استخدام الهاتف القديم للاتصال ببعضهم بعضاً، مما يؤدي إلى زيادة التحميل على أنظمة الاتصالات هذه وتصبح شبه مشلولة. وبالتالي، فإن العودة إلى وسائل الاتصال والترفيه القديمة ستكون مستحيلة، واستعادتها تتطلب سنين عديدة.
ومع أن حوالي نصف سكان العالم ليس لديهم اتصال بالإنترنت، إلا أن عصب الاقتصاد ونقاطه الساخنة تقوم عليها. وسيكون لاختفائها تأثير مدمِّر على الاقتصاد العالمي.
وبما أن الخدمات المصرفية تعتمد إلى حد كبير على الإنترنت، ومعظم البيانات المالية بشكل عام مخزنة في الخوادم، ستكون التحويلات الإلكترونية مستحيلة. ستصبح بطاقات الائتمان ومثيلاتها قطعاً بلاستيكية عديمة الفائدة.
ستتوقف الشركات الكبيرة مثل غوغل وفيسبوك وأمازون عن العمل، مما يفقدها عائداتها المجمعة التي تبلغ مئات مليارات الدولارات. ومع وجود 80000 موظف بدوام كامل في غوغل وحدها مثلاً، سيصبح الملايين من الأشخاص عاطلين عن العمل.
سيعود استخدام الورق إلى الواجهة، ويرتفع استهلاكنا له بشكل كبير. يؤدي هذا إلى إعادة تأسيس سلسلة من الصناعات المرتبطة به كالنقل وغيره، ثم ينسحب على كثيرٍ من الصناعات الأخرى. وسيصبح مَن بقي من الخبراء والعلماء من كبار السن، والذين ما زالوا يتذكرون التقنيات القديمة محل تقدير كبير. وبشكل مؤسف تصبح جيوش المهندسين والعلماء في حقول إلكترونية عديدة خارج الخدمة. كما ستسود الفوضى في البرامج الأكاديمية للجامعات والمعاهد وغيرها.