لجنة تحديث المنظومة السياسية ..طريق الاصلاح السياسي لا يمر من هناك
كتب المحرر السياسي - من قال ان الإصلاح المنشود يقتصر على تعديل قوانين الانتخاب والاحزاب و الادارة المحلية ؟ هل يمكن اعتبار تعديل هذه القوانين فقط خطوة الى الامام ، الجواب قطعا { لا } ، لان تعديل التشريعات لا يضمن ابدا امكانية التطبيق ، فهل ستسمح دوائر القرار ان تخرج الامور عن سيطرتها ، كما حدث في انتخابات 1989؟ هل ستتنازل هذه الجهات عن دورها و امتيازاتها و صلاحياتها دون مقاومة ؟
ثم عن اي اصلاح نتحدث وقد تم تجاهل الاطر الدستورية -الحكومة والبرلمان- هذه الاطر التي كان يفترض ان تكون الراعية للحوارات او على الاقل طرفا اساسيا في العملية؟ ثم ماذا عن اقصاء قوى المعارضة الوطنية بالكامل، هل سيحاور رجال السلطة انفسهم؟ الى اين وصلت حوارات رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز، هل تم طي صفحتها، وتجاهل مخرجاتها؟ ويبقى ان نسأل عن الية اختيار اعضاء اللجنة، عن المعايير والاسس والمسطرة، وهل هؤلاء فعلا يمثلون طيفا واسعا من الاردنيين ام انها تقسيمات وحصص و خيارات لعدد محدود من الاشخاص و الجهات؟ واخيرا كيف سنبدأ النقاشات في القوانين الناظمة للحياة السياسية ومازال لدينا سجناء تم اعتقالهم لارائهم السياسية ومطالباتهم بالاصلاح ، وما زالت عمليات الاعتقال مستمرة، و مازال موضوع نقابة المعلمين عالقا، ومرتهنا بتصلب العقلية الامنية التي تدير هذا الملف من الفه الى يائه، وعدم اعترافها بالحقوق الدستورية للمعلمين ولغيرهم ؟!
نعم، جرى تشكيل لجنة ملكية من أجل تعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي وعضوية (92) شخصية لا نظن ان احدا يستطيع ان يكتشف نمطا او معيارا واحدا تم على اساسه تحديد الية الاختيار، حتى انك لا تستطيع ان تجزم ان العملية تمت بشكل عشوائي، وذلك لان هناك اثارا لهيمنة تيار او اثنين على بقية التلاوين الفاهية المختارة بعناية في هذه اللجنة .
اللافت، أن اللجنة استثنت من عضويتها أيّا من أعضاء مجلس النواب -الركن الأول في الحكم- بينما ضمّت (9) من أعضاء مجلس الأعيان -وهؤلاء يشكّلون (13.8%) من مجلس الأعيان-، كما ضمّت (7) مرشحين -على الأقل- خسروا في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وبينما غابت عن اللجنة أحزاب سياسية، على رأسها حزب الشراكة والانقاذ، يتفاجأ المراقب بوجود ممثل أو اثنين أو ثلاثة لأحزاب سياسية لا وجود لها على الارض ، فيما بدا لافتا أيضا أن تيار الدولة المدنية طغى على تيار الاسلام السياسي وغيره من التيارات في تشكيل اللجنة، وهو مؤشر اضافي على ان هناك انتقائية طغى عليها الطابع الشخصي ..
لا نعلم كيف سيتمّ التوافق على شكل قانون الانتخاب واللجنة تضمّ الشامي والمغربي، المدني والاسلامي، اليساري والليبرالي؟! كيف سيتوافق هؤلاء على صيغة واحدة؟ هل تم اختيارهم رغم هذه التباينات الكبيرة والتناقضات العميقة الايدولوجية والشخصية، لغاية في نفس يعقوب؟!
الأمر الآخر، كيف سيقرر أشخاص لا يمتلكون خبرة في الحياة الحزبية آليات تطوير قانون الأحزاب، وهم لم ينخرطوا قط في اي حزب مرخص او حتى تلك التي ما زالت قيد التأسيس، وسيرتهم الذاتية إما أنهم أداروا جهازا أمنيا أو مؤسسة حكومية رسمية، او جاؤوا من خلفيات اكاديمية، اساتذة جامعات لم ينخرطوا في العمل العام اطلاقا ؟!
وفي هذا السياق، لا بد ان نزيل الالتباس والخلط الحاصل لدينا، ان كتابة مقال او الظهور على شاشة التلفاز او المشاركة في الورشات والندوات، لا تعني ابدا تميكن وتأهيل وإعداد البعض لتمثيل الناس والتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم .. بطبيعة الحال هناك استثناءات، فبعض الاكاديميين في اللجنة لهم اسهاماتهم ولهم تجاربهم الواسعة، ولكننا هنا نتحدث عن التشكيلة بصفة عامة .
من غرائب اللجنة، أنها استثنت من تشكيلها أيّا من ممثلي الحراك الشعبي والمعارضة الوطنية الذين بُحّ صوتهم على مدار السنوات العشر الماضية وهم يطالبون بالاصلاحات السياسية، كما غاب عن موضوع تشكيلها اجراء تعديلات دستورية بخصوص المواد (34، 35، 36)، والتي يعتبرها المطالبون بالاصلاح من أكبر عوائق الاصلاح السياسي .
الواقع أن حصر الاصلاح السياسي بتعديل قانوني الأحزاب والانتخاب مؤشر على تجاهل متطلبات الاصلاح الحقيقي و الالتفاف عليها ، الاصلاح الحقيقي الذي يبدأ بتعديلات دستورية تمكّن الشعب من اختيار حكومته، وتحصّن البرلمان الذي ينتخبه الشعب، ويلغي الثلث المعطل في مجلس الأمة أو على الأقل يغيّر في الية اختيار أعضاء مجلس الأعيان.