السلطة التشريعة.. مبدأ الكفاءة



عندما نتحدث عن السلطة التشريعية فنحن بصدد التعامل مع سلطة مخولة في تشريع القوانيين الناظمة للحياة السياسية والإقتصادية والاجتماعية بما يحقق الغاية المنشودة وهي استقرار الوطن داخليا وخارجيا بما يساعد المنطقة للخروج من الأزمات المتتابعة التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الوطن بشقيه الحاكم والمحكوم .

قبل الشروع في الحديث بشكل معمق حول هذه السلطة المهمة والأساسية والتي هي الركن والصرح العالي في تنظيم كافة شؤون الحياة فلابد من طرح تساؤل برئ قد يكون مدخلاً يساعد القارئ على إدراك مقصد هذا المقال .

في حياتنا اليومية عندما تطلب شركة ما أن توظف موظفاً في موقع ٍ ما وفي مركزٍ ما تضع الشروط والضوابط للتقدم لهذه الوظيفة ، وليس عبثاً أنها تقوم بهذه الخطوة ؛ فهي تسعى لتحقيق مصالحها بما يضمن لها الإستمرارية في سوق العمل بل التفوق والمنافسة ، فقد تكون هذه الشروط مجموعة من الشهادات الجامعية وخبرات عملية طويلة ودورات تدريبية ومهارات وسلوكيات بحيث يقوم المترشح الحاصل على هذه الوظيفة بتوظيف كامل خبراته وعلمه لتحقيق الغاية التي استثقدِمَ من أجلها . وهذا هو التساؤل البرئ لماذا كل هذه الشروط والضوابط الموضوعة في طريق التوظيف ؟ هل هي رؤية واستراتيجية الشركات في تحقيق الغايات المشروعة والحفاظ على مكانتها وسمعتها ؟

الحقيقة هو أن الشركات ذات الرؤية العميقة والتطلعات الإستراتيجية والتي تحترم ذاتها والتي تتطلع لبقائها قويةً مسيطرةً على سوق العمل أو بدرجة أقل تبقى منافسة في سوق العمل تتطلب وضع الضوابط والشروط للوظائف حتى يكون العمل عملاً ذو كمية منجزة ونوعية متقنة .

فإذا كان الحال يتعلق بهذه النظرية التي تتمسك بها الشركات ، أوليس الأولى من باب قياس الأولى أن تتخذ الدولة هذه النظرية وتطبقها لعلنا نخرج من عنق الزجاجة الذي لم نخرج منه بعد بل ضاق علينا مما تطلب منا الرجوع للوراء؟! . أوليس تطبيق مبدأ الكفاءة الحقيقي ووضع الضوابط والشروط للوصول لسلطة تشريعية حقيقة قادرة على تحقيق الغايات والأهداف والإستراتيجيات الوطنية التي تخدم الوطن بشقيه الحاكم والمحكوم ؟! أوليس الدولة أحق من غيرها بأن تضع الضوابط والشروط لبناء سلطة تشريعية ؟! هذه الأسئلة أتركها للقارئ هو من يحكم وله الحرية في ذلك .
ولكن .....
لعلنا ندرك الآن المقصد من ذلك التساؤل ، فنحن بحاجة ملحة وحقيقية لقرار سياسي لطرح كل القوانيين والأنظمة والضوابط القديمة التي توصل مرشحين للسطلة التشريعة ذوي كفاءات متدنية بل نحن بحاجة لوضع ضوابط وشروط جديدة للوصول لسلطة تشريعية حقيقة فاعلة متفاعلة ثابت بثوابت الهوية الوطنية الحقيقية ومرنة بما يقدمه العصر الحديث لتكون وسيلة ناجعة تخدم الوطن بشقيه الحاكم والمحكوم بالعدل والمساواة والحرية المضبوطة والمسؤولة .

السلطة التشريعية في وطني لا تلبي عُشرَ ما يتمناه المواطن وهذه السلطة التشريعية هي نتاج مجلس نواب ومجلس أعيان ، مجلس الأعيان يأتي بقرار ملكي بينما مجلس النواب يأتي بقرار شعبي عن طريق الإنتخابات النيابية وفي هذا المقال نسلط الضوء فقط على مجلس النواب وطريقة اختياره .أما مجلس الأعيان فلابد من مقال آخر لبيان حاله .

كاتبُ هذا المقال ككاتب ومؤلف وناقد ليس بصدد وضع الشروط الضوابط وآليات اختيار مجلس النواب ، ولكنه كمواطن مسؤول عن ايصال مرشحه لسلطة تشريعيةٍ رقابيةٍ أن يختار الأفضل والأكفأ دون الرجوع للأسس القديمة التي غرستها الدولة قديما في نفوسنا والتي ما زالت فاعلة في ايصال المرشحين لمجلس النواب مثل الفكر الخدماتي المصلحي الفئوي أو العشائري .

بل يسعى بأن يكون المرشح ذو علم واسع وخبرة واسعة وسلوك قويم قادر على فهم التشريع وكيفية التشريع ومآلات القوانيين التي بصدد تشريعها على المستوى الوطني والتي تحقق الغاية النهائية للتشريع .
فالتشريع خطير وتقوم عليه الحياة كاملة والدليل على ذلك أن الله تعالى لم يترك التشريع لبني الإنسان بالكامل بل شرع له كل ما يحتاجه وبما ينتاسب مع حاله ضمن قواعد عديدة وترك القليل لبني الإنسان ليشرعها ضمن ضوابط عامة تخدم المصلحة الجامعة . ولذلك فمسالة الوصول للسلطة التشريعية تتطلب منا حقيقةً إذا ما أردنا الإصلاح الحقيقي الفعلي الفعال بأن نغير كامل فكرنا ونهجنا حتى لو تطلب منا تغيير الوجوه القديمة التي تقف سداً منيعا ً في وجه الإصلاح .

وأخيراً ، فهذا المقال ليس بصدد شرح تفاصيل العلمية الإنتخابية بقدر أهمية بيان خطورة السلطة التشريعية وأهميتها للحياة .