مؤتمر الرفاعي.. مواجهة مبكرة بين الحكومة واللجنة، والمناخ السياسي المسكوت عنه
محرر الشؤون المحلية - خطوة ايجابية قام بها رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، سمير الرفاعي، بعقده مؤتمرا صحفيا تحدّث فيه عن عمل اللجنة وأجاب على اسئلة الصحفيين، فهذا الانفتاح والتواصل من شأنه اطلاع الرأي العام على الأفكار الموجودة لدى اللجنة من أجل مناقشتها وتقديم الملاحظات المتعلقة بها.
المؤتمر كشف عن فجوة بين اللجنة الملكية والسلطة التنفيذية صاحبة الصلاحية -دستوريا- في تقديم القوانين إلى مجلس النواب، وهذا ما برز لدى تطرّق رئيس اللجنة إلى مشروع قانون البلديات واللامركزية.
الرفاعي وضع سيناريوهين اثنين للتعامل مع مشروع قانون البلديات واللامركزية الموجود لدى مجلس النواب؛ الأول في حال أقرّ النواب القانون قبل تقديم اللجنة الملكية توصياتها، والثاني في حال تمكّنت اللجنة من تقديم توصياتها قبل اقرار المجلس مشروع القانون، وهو ما يشير إلى عدم وجود قنوات مفتوحة بين اللجنة والحكومة، واحتمالية أن لا تتعامل الحكومة مع مخرجات عمل اللجنة كما هو مفترض، بل وتمسّك الحكومة بالصيغة التي اقترحتها لقانون البلديات واللامركزية، وإلا، فلماذا لا تسحب الحكومة مشروع القانون من مجلس النواب فورا لتعديله بعد تقديم اللجنة توصياتها، ثمّ ترسله إلى النواب بعد تنقيحه، وبذلك توفّر وقت النواب لقوانين وملفّات أخرى؟
الرفاعي سُئل في مناسبتين عن أثر المناخ السياسي العامّ في الأردن على عمل اللجنة، وقد تطرق متداخلون إلى قضية الدوريات الالكترونية والاعتقالات السياسية، لكنّ الرئيس السابق لم يُجب على ذلك بوضوح واكتفى بالتأكيد على أن المناخ حادّ، دون الإشارة إلى الأثر السلبي لبعض الممارسات الحكومية التي تعرقل وتشوّش على عمل اللجنة، والتي جعلت الحديث عن وجود ارادة حقيقية للاصلاح محلّ شكّ، وجعلت مؤسسات الدولة وكأنها جزر معزولة؛ الملك يقول إنه يريد الاصلاح ويشكّل لجنة لهذه الغاية، والحكومة تذهب بالاتجاه المعاكس!
وشهد حديث رئيس اللجنة الملكية بعض التناقضات التي لا يمكن تجاوزها وتحتاج إلى شرح وتفسير، فالرئيس الأسبق قال في بداية المؤتمر إن هذه اللجنة هي "أول لجنة يضمن الملك أن تتبنى الحكومة نتائج عملها وتقدمها إلى مجلس الأمة فورا"، لكن لجنة الحوار الوطني التي تشكلت برئاسة رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري عام 2011 حظيت بضمانة الملك، وقد قال خلال لقائه تلك اللجنة في 29 آذار 2011: "أنا الضامن لما ستخرجون به من نتائج لحواراتكم"، إلا إذا كانت الضمانة تحتمل عدم الالتزام بالتوصيات، وهذا أمر مستبعد.
كرر الرفاعي العبارات التي تؤكد أن اللجنة لا تحمل أي تصوّرات مسبقة ولا تتخندق وراء أي صيغة جاهزة لقانون الانتخاب، لكنه وفي الوقت ذاته أشار إلى ضرورة اعادة النظر بالتوزيع الجندري لمقاعد مجلس النواب من خلال احداث تعديل على "كوتا المرأة"، وهذا استخلاص مبكّر كان الأصل برئيس اللجنة تجنّب الخوض فيه.
الرفاعي أسهب في الحديث عن الحياة الحزبية المطلوبة في الأردن، وعرض نموذجا لحياة حزبية غير موجودة في الأردن، وكأن اللجنة وتوصياتها ستنجح في قلب المشهد رأسا على عقب، وقد تحدث عن مشهدية استحضر فيها النموذج الأمريكي البريطاني، وهذا بطبيعة الحال لن يحدث أبدا في الأردن، كما أنه ليس مطلوبا من اللجنة أن ترسم أو تتوقع أو تفترض تحوّلا بهذا الشكل الطوباوي..
المطلوب من اللجنة ايجاد تشريع يسهّل ويحفّز ويمكّن الناس من الانخراط في الحياة الحزبية، ويضمن رفع القبضة الأمنية عن العمل الحزبي، ويسمح بنشر وتداول الأفكار بحرّية، وأن يكون العمل تكامليا، فلا يُعقل أن نتحدث عن حياة حزبية وهناك دوريات الكترونية تراقب المنشورات وتلاحق أصحاب الرأي، وهناك جهات أمنية تحكم قبضتها على العمل الحزبي وحصص الأحزاب في البرلمان، وتتدخل لوقف عمل حزب أو تخويف الشباب من الانتساب لحزب.
خلال حديث الرفاعي، يُخيّل للسامع أن الأردن يفتقر إلى وجود الأحزاب، فهو لم يتحدث عن أي دور لها في تعديل القانون الذي يُفترض أن يُنظّم ويسهّل عملها، فالأصل أن أي صيغ أو توصيات مقترحة تخضع للنقاش والحوار مع الأحزاب نفسها، خاصة وأن رئيس اللجنة ربط مصيرها وبقاءها بتوصيات اللجنة الملكية، بل وربط بين بقاء مجلس النواب الحالي إلى موعد الانتخابات القادمة بهدف تمكين الأحزاب الجديدة من العمل وكسب ثقة الناس خلال السنوات الثلاث القادمة! وكأن الخمسين حزبا القائمة حاليا سيجري شطبها بجرّة قلم، وستنشأ بدلا عنها أحزاب جديدة يبدو أن "أصحابها" متأهبون لاطلاقها فور اقرار القانون الجديد!
الأغرب من ذلك، حديث رئيس الوزراء الأسبق عن ضرورة أن تكون الأحزاب برامجية، والواقع أن جميع الأحزاب لديها برامج واضحة، لكنّ المعيار الحقيقي في نجاح الحزب من فشله هو مدى قدرته على اقناع الناس ببرامجه وحجم الانتشار الذي يحققه، ولنا في حزب الشراكة والانقاذ الناشئ مثل وقدوة، رغم استبعاده من عضوية اللجنة الملكية.
أما فيما يتعلق بالقول إن الناس يعتقدون بكون آراء أعضاء اللجان الفرعية تمثّل رأي اللجنة الفرعية، فهذا غير دقيق، وإلا لكان الناس اعتبروا رأي العضو المستقيل عريب الرنتاوي يمثّل رأي اللجنة الملكية، وهذا ما لم يحدث.
الرفاعي تمسّك خلال المؤتمر بـ"الوكالة الخاصة" التي نصّت عليها رسالة تشكيل اللجنة الملكية، لكنّه أخطأ بالقول إن وكالة تعديل الدستور محصورة برغبة ثلاثة أطراف "الملك، النواب، الحكومة"، إذ أن الدستور يمثّل العقد الاجتماعي بين الشعب والنظام، وقد جرى وضعه لتنظيم العلاقة بين الطرفين وتحديد صلاحيات السلطات وحقوق الشعب، وإذا أردنا الحديث عن تعديلات دستورية فالمصدر يجب أن يكون الشعب، وأما الجهات الثلاث فصلاحياتها محصورة بترجمة رغبة وموقف الشعب وليس رغبتها وموقفها هي..