حكوماتنا تتغير، عكس سياساتها
تبني الشعوب من واقعها وواقع نسيجها الإجتماعي منظوماتها الشاملة ، التي تستمرباستنهاضها من وحي تاريخها وموروثاتها لمئات السنين ، في حركة لا تتوقف.
رسخ الأردن بتنوعه ونسيجه منظومته المجتمعية ، حيث يتسيد " المنسف الأردني باللحم " مطبخه ، وليس بأي شئ آخر يحاول تهجينه بطبخه بالدجاج مثلا ، وتطوّرت مع " المنسف" العلامة التجارية للجميد " الكركي " ، ولم ينجح " الجميد السلطي" في طمس العلامه الكركية . وتطورت ثقافة " الزيت والزعتر" لرفع مستوى " الذكاء " ، وتم نقل هذه الثقافة لمجتمعات عربية لم تكن تعرف الزيت والزعتر قبل اختلاطها بالأردني وثقافته المتنوعة . كذلك الجبنة البلدية ، التي لم تتنازل عن ماركتها التجارية " النابلسية " على الرغم من تطور الإنتاج الحيواني الجرشي والعجلوني والإربداوي ودخولهم صناعتها ، مما أدخل ببطئ شديد " الجبنة الجرشية " التي صاحبها أيضا علامة " اللبنة الجرشية " التجارية التي ترسخت بدون منازع . وتأثرا بالحال الإقتصادي ، طورت العائلة النابلسية مقولة لإطفالها توهمهم بأن تناولهم الجبنة بدون خبز يسبب لهم ألآما في المعدة ، كذلك ، فإن " نابلس " بإرثها لم تتمكن من تغيير نسب " المسخنّ" الذي اشتهر به الريف الفلسطيني المحيط بها ، وطور الإقتصاد ثقافة " الفلافل " ، لدرجة أن إسرائيل سرقت وصفته وجيرّت علامته التجارية لها .
من يصدق الآن ، أن أجيالا أبدعت كانت تراجع دروسها على ضوء الفوانيس الليلية ، وفي الحقول والشوارع الهادئة نهارا ، واشتركت بانشطة البرامج الصيفية لمدارسها الحكومية ، بينما نتابع اليوم ذهاب أبنائنا لمؤسسة شومان العامرة كنموذج للمسؤولية الإجتماعية قبل أن يخترع العالم مفهومها ، ولمقاهي أجنبية ليحتسون قهوتهم في أكوابها الورقية ، وأن أطفالنا اليوم تذهب لنوادي صيفية خاصة تقصم رسومها ميزانية أهلهم ، لقضاء سويعات نهارهم ( ما الذي يمنع من فتح مدارسنا لبرامج نوادي صيفية مجانية ؟؟) . من يصدق الآن ، أن الطفل الأردني كان يقضي إجازة الصيف في محل والده أو قريبه مساعدا له ومتدربا ، بينما تزخر التقارير بخطورة " عمالة الأطفال " ، ومن يصدق أن اللبناني الذي كان عنوان المطبخ الأنيق ، يصارع ليحصل على ربطة من الخبز ، ومن يصدق أن شريحة مجتمعية أردنية تطبخ الديك الرومي مقلّدة الوصفة الأمريكية في عيد الشكر Thanksgiving . ومن يصدق .. ومن يصدق ...
سياسات حكوماتنا وأدواتها ليست بدسم الجميد الكركي ولا بطعم الجبنة النابلسية اللذيذ ولا تواكب تغيرات أردننا ، ما يفرض تطعيمها بديناميكية التكنولوجيا وتوظيفها لحماية منظومتنا باتساع مكوناتها ، مشيرا لاعتماد الحكومة الصينية تقنية تحمل اسم " دورية منتصف الليل " للتعرف على الوجه لمنع الأطفال من التحايل على الحظر الحكومي الذي يمنعهم من اللعب على حواسيبهم بين العاشرة ليلا والثامنة صباحا ، ولتحيا الديكتاتورية البناءة المحققة لأهداف شعوبها ورخائهم .