التوازن البيئي، و"فتيا" أدعياء الحداثة


- فتيا أدعياء الحداثة:

الإفتاء يكون عن أهله، ويكون في مسألة التبس فهمها، وكثرت فيها الأهواء، ليجيب المفتي، مبينا الحلال والحرام في مثل تلك المسائل.

والفتوى لغة تاتي بمعنى: تبيين المشكل من الأحكام.

أما في الإصطلاح، فهي: "تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سال عنه".

الحقيقة، أنه وعلاوة عن أن الخضرا ليست بمفتٍ، فإن الموضوع الذي طرحته لايحتاج إلى فتية؛ لأن الأضحية كفكرة واضحة؛ لالبس فيها، وكشعيرة، ثابتة لا تتغير.

ولو أن الذي قالته الخضرا، كان حول ضرورة تطبيق الشرع على أسلوب تنفيذ الشعيرة، لكان الأمر ليس مقبولا وحسب، بل لكان قولها قول حق ولكان فعلها فضيلة.

الحقيقة إن عبارات المنشور واضحة، وواضح بجلاء أن الإعتراض قد وقع على الأضحية كفكرة، أما ما ورد في التبرير (الإعتذار)، من إلقاء للتبعة فيما كتبت، على من يقرأ المنشور؛ حين قالت: إنه قد أُُخْرِجَ عن سياقه! فإننا نقول: إن السياق واضح، وإن الخروج عن السياقات العامة قد وقع منها بما أوردته من كلام نسجته نسجا ماديا.

ثانيا: "التوازن والعقد البيئيين":

لعل المثير للدهشة، فيما ذكرته الخضرا؛ هو حديثها عن التوازن والعقد البيئيين، وإن في فكرة الأضحية إخلال بهما!

فلما كان واضحا، أن هذه السيدة، تنطلق من منطلق الفلسفة الطبيعية/المادية؛ تلك الفلسفة التي دنت ساعة سقوطها تحت وطأة الجوع الذي اتسعت دائرته، بفعل طغيان تلك الفلسفة، بتطبيقاتها المختلفة، والتي من أبرزها؛ الفكر الرأسمالي، الذي أحدث ما أحدثه من تشوه مريع على جنبات الارض، ومن مآسٍ ونكبات لكثير من الأمم؛ حين حول الإنسان إلى آلة، وأدخله في رق المادة.

واللافت في مواجهة ذلك، لا بل والمثير للدهشة، أن التي تلقي علينا دروس الحداثة، هي إما غير محيطةٍ بمضمون تلك الفلسفة، أو أنها مستجهلة له، دليلنا في ذلك هو إسناد رأيها حول الأضحية إلى فكرة التوازن والعقد البيئيين !.

ففي الوقت الذي يُعاب فيه، من جملة مايعاب، على الفلسفة المادية، وفي وجهها الإقتصادي بالذات، أنها قد ألحقت، في أقل من مئة عام، مالم تلحقه البشرية، بالبيئة والطبيعة بشكل عام، من أضرار منذ بدء الخليقة.

فما تنفثه مصانع الجشع الرأسمالي الإمبريالي، في البيئة من سموم أحدث تَغَيُرات كبيرة في مناخ الأرض، وأَلْحَقَ بالإنسان وعافيته أشد الأضرار؛ ذلك من جهة.

ومن جهة أخرى نجد أن الإنسان المادي قد استنزف خلال قرن من الزمان؛ كنتيجة مباشرة للفلسفة الطبيعية/ المادية، ثروات أصيلة فيها( كالفحم الحجري مثلا)، وثروات أخرى تكونت على مدار مئات وآلاف وربما ملايين السنين( كما هو الحال بالنسبة للنفط والغاز على سبيل المثال).

فأي حديث عن التوازن البيئي، وأي أفكار، تلك التي يريد أن يُسَوِّقُها علينا بعض أدعياء الحداثة؟!، بعدما ثبت أنها ليست بالية وحسب، بل إنها أفكار لم يعد أيٌ من فلاسفة ذلك الفكر يجرؤ على الحديث فيها، إلا إذا جاء ذلك، فيما يتعلق بابناء جلدتنا، من قبيل استفزاز المجتمع، ومجابهته في ثوابته، بدلا من محاولة إصلاح مانحتاج إليه من إصلاح، في شؤوننا المختلفة، في إطار خصوصيات الأمة والهوية الجامعة لها، في السلوك والتطبيق. ذلك فوق سكوتهم عن الحديث في، وعن، الفواجع التي ارتكبت في حق الإنسان والأرض، بفعل طغيان القيم المادية، التي فككت الإنسان، في سبيل تحقيق مصالح الاقلية الرأسمالية، وأخذته عنوة نحو البؤس والتعاسة والشقاء.