الإشاعة والإستهتار ، وتأثيرهما على المنجز الوطني.

الإشاعة نشر الخبر  المكذوب وإشاعته بين الناس، وإظهاره بغير التثبت من صحته. 
واما الاستهتار، فهو الاستخفاف بالامر وعدم المبالاة به. 


للإشاعة  آثارها وأضرارها ، على مستوى الأفراد والمجتمعات، من خلال إحداث البلبلة والإضطرابات وعدم الاستقرار، وظهور التأويلات المغلوطة وكثرة اللغط والقيل والقال. 
كما ان للاستهتار اضراره على المستهتر ذاته، وعلى العمل الموكل إليه ، أو على الأمانة التي في عهدته، أو الشخص المؤتمن عنده. 
لكل من الإشاعة والاستهتار، آثار اخطر على مستوى الدول وأمنها وسلامتها. 
فتأتي الإساءة للوطن ،من عدو حاقد متربص، فيستهدف كل شؤونه، فلا يشير إلا إلى الشر والمثالب ،ويحتقر الإنجاز وينتقص الإبداع، بغرض النيل من السمعة والمكانة، والغاية عنده  تبرر الوسيلة.. لأنه عدو!
وقد تأتي الإساءة للوطن من مواطن جاهل، لا يعي او يدرك ماذا ومتى يقول او يكتب او كيف يتصرف، فمصلحته مقدمة على كل ما هو سواها . 

في زمن ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وتعدد وسائل التواصل وتنوعها، أصبح بالإمكان لكل من أراد أن يكون عين للرقيب المنصف، او يكون كذلك   بجهله او بقصده،  عين وذراعا  للعدو المتربص.

أمن الوطن لا يعني فقط وجود الجيش وأدواته على الحدود لحراستها، او التواجد الأمني على الساحة الداخلية لحفظها من اللصوص وقطاع الطرق ومنتهكي القانون، مع أن ذلك هو العنوان الأول والأبرز، لمفهوم الأمن الوطني، وهو الركن الأساس الذي يبنى عليه ما بعده، من  مفاهيم ومسميات الامن الوطني الأخرى ، كالأمن السيادي والسياسي والإقتصادي، والامن الإجتماعي والغذائي والمائي، والامن الصحي  والبيئي والفكري.
ما ساتناوله هنا بشكل خاص، هو الامن الصحي وأهميته وأركانه ونواقضه.
في مفهوم الامن الصحي صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله '' من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ''.
عوامل استقرار النفس البشرية، أمن على النفس والعرض والمال، وتوفر ما  يساعد على حفظ ذلك ويحميه. 
وعافية وسلامة في البدن، ووقاية من الأمراض والأوبئة ومسبباتها، وتوفر بعض العلاج او وسائل الإستشفاء. وتوفر بعض القوت من الطعام والشراب، ليحفظ سلامة العقل وقوة البدن.
وقيل ايضا... . '' الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يعرف قيمتها إلا المرضى، أو من حرم نعمتها''.
فالصحة نعمة عظمى، ومن أجلها يبذل المال وكل نفيس، وهي عنوان الحياة، وإنتقاصها او إنعدامها، يعني الهم والسقم والألم ودنو الأجل.
لكي يتحقق الامن الصحي، يجب ان يتوفر المكان الآمن والمخصص ، كالمستشفى او المركز الطبي او المكان المناسب وله شروطه وخصوصيته . 
وتوفير الكوادر الطبية المؤهلة والمدربة والمتخصصة، من أطباء وممرضين ومهن طبية مساندة للرعاية والخدمة.
ثم توفير الأدوات والأدوية والمستلزمات الطبية اللآزمة، وقبل كل هذا وذاك، يجب وجود التشريع القانوني، الذي ينظم العمل الطبي، ويحفظ الحقوق للمريض والكادر الطبي والمكان والادوات .
كل الدول تسعى  للتميز الطبي، فتتسابق بالإنجازات، وتسجيل الأدوية واللقاحات، وبعضها يتألق بالرفاهية وبالتمريض الفندقي، والسياحة العلاجية.
على المستوى الوطني، كان الأردن ولا يزال سباقا، في التميز الطبي على مستوى المنطقة والإقليم ، من حيث عدد المستشفيات وتطور أجهزتها، وتزايد أسرتها الطبية ، وتميز الكوادر الطبية  المؤهلة والمدربة، ونوعية الخدمة والمعالجة السريرية. 
وقد شهد لنا بذلك كل  المنصفين من كل دول  العالم ، فكنا ولا زلنا وسنبقى بإذن الله، محجا للسياحة العلاجية إقليميا ودوليا.
ومن المعلوم أن لكل نجاح أعداء وحاسدين ، وأكثر ما يقتل النجاح ، هو الغرور بالإنجاز، والوقوف عنده أو عدم مواكبة التطور، والطمع بالمال والشهرة على حساب المنتج والجودة. 

والقاتل الصامت للنجاح والإنجاز أيضاً ، هو إنعدام الحس الإنساني بالمسؤولية، وضعف الرقابة الذاتية، أو الإستهانة بالإجراءات الإدارية ،أو ضعف العقوبات التي يجب ان تكون زاجرة ومغلظة، لتعالج الخلل وترهل الإدارة وتمنع التسيب والإهمال ، وتردع  إنعدام الحس بالمسؤولية. 
ومن  وسائل وعوامل  قتل ووأد النجاح والإنجاز، الإشاعة والأكاذيب الملفقة بقصد من حاقد، أو بغير قصد من جاهل أرعن . 
وهنا أشير إلى أن جائحة كورونا، التي اصابت كل العالم، وألقت بضلالها على القطاع الصحي بالذات ، فكشفت الكثير من عورات الدول والمجتمعات. 
وكان لها الأثر الكبير على إنهاك القطاع الصحي بكل مسمياته وأدواته، وقد اعلنت دولا كبرى وذات إمكانيات وقدرات عظمى، عن استسلامها أمام هجمة الفيروس وشدة وطأته  وكثرة تحوراته. 

وبسبب التقصير الواضح من بعضنا  في الاداء والإدارة ، وفوضى التقيد بالإجراءات وضعفها شعبيا ورسميا، سابقا ولاحقا وحتى الساعة، إنتكسنا رأسا على عقب، فأصبحنا مضربا للمثل في الإنتشار والتفشي، بعد التميز والتألق في التصدي والمواجهة في بداية الجائحة ، وخسرنا بذلك أرواحا لأعزاء وأحبة، كما تكبدنا خسائر كبرى في الإقتصاد والسياحة والصحة وغيرها. 

وبسبب التقصير ذاته في الأداء والإدارة،فجعنا قبل أشهر بحادثة مستشفى السلط الحكومي ، وما نتج عنها من وفيات  في الأرواح  لا تعوض، وخسارة بالسمعة للقطاع الطبي بالذات، ولا تزال القضية منظورة امام القضاء! 
بالأمس أيضاً فجعنا بخبر.. يفيد بإنقطاع الكهرباء، في مستشفى الجاردنز، والمخصص لمرضى الكورونا من قبل وزارة الصحة  ، وتسابق بعض المفتونيين بكثرة الإعجابات والمشاهدات، بنشر أخبار ملفقة وغير صحيحة، فكتب بعضهم أن عدد الوفيات تجاوز ال ''8'' قتلى، وقال بعضهم إن السبب انقطاع الاكسجين، وقال آخرون إن السبب إنقطاع الكهرباء عن المستشفى. 
ودخل اهل وسائل التواصل في جملة من التحليلات والفرضيات، وكثرت نشرات الخبر العاجل! 
بعد أن تجلى الامر وتبين الواقع ، بحسب تصريح وزير الصحة، ومدير المستشفى بالذات، الذي بين بأن الحادث ليس بسبب نقص الأكسجين، ولا بسبب انقطاع الكهرباء بشكل كلي عن المستشفى، وإنما بسبب خلل كهربائي '' تماس'' بحسب قوله '' شورت'' ، أدى الى فصل الكهرباء عن جزء من المستشفى وليس كله. 
وأن عدد الوفيات '' إثنتان فقط''، عليهما رحمة الله، إحداهما أنثى كانت في حالة حرجة، وقد تم إبلاغ بعض ذويها بذلك قبل غروب يوم السبت، وقد توفيت، قبل حدوث الخلل الكهربائي بنحو عشرين دقيقة. 
والوفاة الثانية حدثت بعد الخلل الفني، هذا القول هو بحسب تصريح مدير المستشفى لإحدى القنوات الفضائية. 
وبما ان الأمر أصبح في عهدة القضاء، للتحقيق فيه ومعرفة الأسباب، وبيان واقع الحال، فيما اذا كان هناك خلل فني او تقصير طبي من عدمه. 
فالواجب يقتضي الكف عن كثرة التلميحات والتحليلات، التي لا يخلو بعضها من الهمز واللمز والغمز! 

قلت سابقا... ،إن الجاهل بجهله، بما يكتبه أو يقوله  او يتصرف به، ومن حيث لا يدري، قد  يكون عينا للعدو الحاقد فيقدم له ما يريد، أو يكون عينا للرقيب الوطني المنصف لتأكيد الحدث وتوثيقه. 
وبما ان الإساءة  قد تقع بسبب الجهل، فإن الأولى والواجب، ترك مسالة التحليل والتقرير والتحقيق، لأهل التخصص والمعرفة، فهم أوعى وأذكى وأعرف، ماذا ومتى وكيف ينشرون. 
فالوقوع في مطلب ومطب الشهرة، قد يكون سبيلا لخرق القانون، وإنتهاك الحرمة والخصوصية للغير، او الحاق الضرر بأهل السلامة. 
وأسأل كل من نشر او ينشر أو أشاع  معلومات مضللة، وبالغ فيها، ولم يتحقق من صحتها، ماذا لو كان أحد أبويك او أحد اشقاءك، يرقد على اسرة ذلك المستشفى، ووصلت  اليك جملة الأخبار التي تمت إشاعتها، عدد القتلى 8، وانقطاع الأكسجين او الكهرباء، فكيف ستكون ردة فعلك؟ 
وكيف ستكون نفسيتك؟ 

الجواب كلنا نعرفه، ولذلك أسأل ايضا. .. بعد تكرار إشاعة  نشر الأخبار  الكاذبة، والمبالغة فيها وتضخيمها، وعدم التثبت من صحتها، وفي ظل تسويق السياحة العلاجية، كيف سينظر العالم الى قطاعنا الصحي؟ 
وكيف سيأمن المريض على نفسه في مستشفياتنا ، وبين يدي كوادرنا الطبية  ؟ 
هذه الحقائق يجب ان تكون في خلد كل مواطن غيور، كما يجب ان تكون عنوانا واضحا، لكل مسؤول وصاحب قرار، فالخطأ الفني أو الطبي، او التقصير في الأداء الإداري، أو البيان الإقتصادي او غيرها، قد تقع فطبع البشر الخطأ والنسيان، ولكن تكرارها يجب بأن لا يمر بشكل عادي. 
ختاما. أصبح لزاما ومطلبا واجبا وضروريا، إعادة النظر بقانون المساءلة الطبية، وإخراجه إلى حيز الوجود، وضرورة تشديد العقوبات وتغليظها، على كل من تسول له نفسه العبث بالمنجز الوطنى،أو  يتراخى او يتساهل بحياة الناس وصحتهم وسلامتهم، أنى كانوا وفي أي مكان. 
وكذلك إعادة النظر بقانون العقوبات، لتغليظها على كل أهل الكذب ومروجي الإشاعات. 
فليس كل من يملك هاتف ذكي، وحزمة أنترنت إضافي، يمكن أن خبيرا في الأمن او علم الإجتماع والشأن الصحي ، أو محللا في الإقتصاد والسياسة ،أو صاحب رأي صواب يصدر عن رأيه، وإلا فهو معارض ينهش هذا وذاك، وينتقص الاداء والإنجاز متى وكيف شاء. 

فوضع الأمور في نصابها أصبح ضرورة، فذلك أحفظ للوطن وامنه ومؤسساته ومنجزاته، وأسلم لأهله ولضيوفه. 
ورحم الله من عرف قدر نفسه فوقف عنده.