تاريخ الصلاحية.. متى وكيف وقعنا في خدعة الطعام الطازج ؟
إذا كنت تتخلص من الطعام بناء على التاريخ الموجود عليه، فأنت لست وحدك. إنها ممارسة منتشرة.
قالت أليسا ويلكينسون، في تقريرها الذي نشره موقع "فوكس" (Vox) الأميركي، إنها عادة ما تتفحص ثلاجتها وتتحقق من الملصقات الموجودة على مختلف المنتجات وترمي أي شيء تجاوز التاريخ المدون على الملصق بشهر أو أسبوع أو ربما بضعة أيام. وهذه العادة متأصلة فيها لدرجة أنها عندما تفكر في تناول الطعام الذي تجاوز التاريخ المحدد لاستهلاكه تشعر ببعض الغثيان.
وأضافت الكاتبة أن رمي الطعام في القمامة سلوك خاطئ، والإحصائيات مخيفة، حيث إن 40% من الطعام المنتج بالولايات المتحدة يكون مآله مكب النفايات أو يتم التفريط فيه بطريقة أخرى. إنها خسارة اقتصادية ضخمة لمزارعي المواد الغذائية وتجار التجزئة الذين يضطرون في كثير من الأحيان إلى التخلص من المنتجات ذات الأشكال الغريبة أو فائض المخزون من المواد الغذائية التي لم يتم بيعها.
إن ذلك سيئ من الناحية البيئية أيضا، إذ وجدت الدراسة أن 25% من المياه العذبة بالولايات المتحدة تذهب نحو إنتاج طعام غير مأكول، و21% من النفايات من الطعام. وفي نفس البلد الذي يرمي الكثير من الطعام، يعاني حوالي 42 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي ومن الجوع. مع ذلك، غالبا ما يكون التبرع بالأغذية التي تجاوزت تاريخ الاستهلاك لبنوك الطعام، وغيرها من الخدمات، صعبا بسبب اللوائح المتبعة في كل ولاية.
ولكن الباحثين وجدوا أن تواريخ "انتهاء الصلاحية" غالبا ما توضع عن حسن نية، وتكون في الواقع عشوائية ومربكة. بعبارة أخرى، هي ليست تواريخ انتهاء الصلاحية على الإطلاق. وسوء فهم الجمهور الأوسع لها مساهم رئيسي في كل عامل من العوامل المذكورة أعلاه، من الطعام المهدر والإيرادات المهدرة وانعدام الأمن الغذائي.
تشرح الشيف والصحفية ومؤلفة كتب الطهي تامار أدلر "في غياب معلومات الطهي، يفترض الناس أن أي معلومات تم تقديمها لهم هي الأهم". ويتمثل جزء كبير من المشكلة في أن معظمنا لا يعتقد حقا أننا قادرون على تحديد ما إذا كان الطعام مفيدا لنا.
لن يكون من الصعب حل المشكلة، والجزء السيئ أن حل النظام الأوسع من حولها يستغرق وقتا وتعليما وتحولا في العادات الاستهلاكية. لكن أفضل طريقة للبدء هي معرفة ما تعنيه هذه الملصقات في الواقع وكيفية التفاعل معها.
أشارت الكاتبة إلى حقيقتين حيويتين يجب معرفتهما حول ملصقات التواريخ على الأطعمة بالولايات المتحدة: ليست موحدة، ولا علاقة لها بسلامة الغذاء تقريبا.
بدأت ملصقات التواريخ في الظهور لأول مرة في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث ابتعد المستهلكون الأميركيون بشكل متزايد عن التسوق في متاجر البقالة الصغيرة والمزارع واتجهوا نحو محلات السوبر ماركت. في البداية، قام المصنعون بطباعة رمز التاريخ على العلب والعبوات لفائدة البقال، ولم يتم تصميم الملصق للمستهلكين. ولكن نظرا لأن المتسوقين أرادوا شراء الطعام الطازج، بدأ الأذكياء في نشر كتيبات تقدم دليلا لفك رموز الملصقات.
في النهاية، بدأ المنتجون في تضمين تواريخ يمكن قراءتها بشكل أكثر وضوحا على المعلبات، مع الشهر واليوم والعام. لقد رأوا أنها نعمة تسويقية، حيث كانت وسيلة لجذب المستهلكين والإشارة إلى أن طعامك طازج ولذيذ. وقد أحبها المستهلكون، وأصبحت تسميات "التاريخ المفتوح" شائعة.
لكن، التسميات تعتبر غير متسقة أيضا. وما يشير إليه الملصق في الواقع يختلف من منتج لآخر. لذلك قد يكون لديك ملصق "التاريخ الأفضل للاستهلاك" على أحد المنتجات، وعلامة "يُعرض حتى" على منتج آخر، وعلامة "يفضل استخدامه قبل" على منتج ثالث. وهي معان مختلفة، لكن المستهلك العادي قد لا يدرك ذلك على الفور وقد لا يلاحظ وجود اختلاف.
علاوة على ذلك، قد لا تكون هذه التواريخ متسقة عبر العلامات التجارية لنفس المنتج الغذائي. وذلك يعزى جزئيا إلى أنه لا يُقصد بها حقا الإشارة إلى متى يكون الطعام أكثر أمانا. ومعظم الأطعمة المعلبة تبقى جيدة تماما لأسابيع أو شهور بعد التاريخ. وتدوم البضائع المعلبة والمجمدة لأعوام. لكن الكثيرين، وعن حسن نية، يقرؤون ما يقوله الملصق ويتخلصون مما هو قديم.
قالت إميلي برود ليب، مديرة "عيادة قانون وسياسة الغذاء" في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، إن المصنِّعين سيقولون "هناك سبب مشروع من جانبهم، وهو أنهم يريدونك أن تأكل الطعام عندما يكون في أفضل حالاته على الإطلاق". ويمكن أن تختلف الطرق التي يحددون بها ذلك التاريخ، وقد تستعين شركة مصنعة كبيرة بفريق تركيز متكون من المستهلكين لتحديد التاريخ، في حين أن منتِجا صغيرا قد يخاطر فقط بالتخمين. ولكن الأهم من ذلك أن تاريخ الاستهلاك لا يتوافق أبدا مع سلامة الطعام، ومع ما إذا كان يمكن أن يجعلك مريضا أم لا.
إن الكثيرين منا يفهمون تسمية "التاريخ الأفضل للاستهلاك" على أنها تقول في الواقع "من السيئ الاستهلاك بعد" وذلك جزئيا مشكلة تعليم عامة لم يعمل المصنعون بجد لحلها. من جهتها، لاحظت أدلر أن ميلنا لشراء أكثر مما نحتاج ثم التخلص من الطعام الذي تجاوز تاريخه قليلا متجذر في عقلية المستهلك. وقد أوضحت أن "الطريقة الوحيدة المنطقية أن تكون القيمة الثقافية الخاصة بك هي النمو غير المقيد والربح بأي ثمن. ولا توجد طريقة أخرى تجعل التخلص من الطعام منطقيا".
وتقول أدلر إن هذا يتناقض بشكل مباشر مع كيفية تعامل معظم الثقافات حول العالم مع الطعام، وأضافت "الفكرة الكاملة التي مفادها أنه يجب تجنب العفن والبكتيريا بأي ثمن ليست فقط مناقضة للطهي الجيد، ولكنها حرفيا لا تُمارَس في معظم الثقافات. وفي معظم مطابخ العالم، لا يوجد فرق كبير بين الطعام الجديد والقديم، إنها مجرد مكونات ستستخدمها بشكل مختلف". لكننا في الحقيقة أصبحنا نعتمد على الشركات لتخبرنا ما هو الطعام الجيد لنا ومتى نتخلص منه.
وتضيف أن جزءا من المشكلة قد يكمن أيضا في ثقافة "استعراض الطعام" الرائجة، حيث تدفعنا وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاستمرار في شراء مكونات جديدة لصنع أكلة رأيناها في صورة أو على "تيك توك" وذلك دون استعمالها.
إن المشكلة تتجاوز المستهلكين. تمنع بعض الولايات متاجر البقالة من التبرع بالأطعمة القديمة أو بيعها لبنوك الطعام، وغيرها من الخدمات المصممة لمساعدة أولئك الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. لكن ما الذي يفسر إعطاء طعام منتهي الصلاحية "للفقراء"؟ إذا أتلف المستهلك طعاما "منتهي الصلاحية" فلماذا يعطيه للآخرين؟ يخشى الموزعون التهديدات القانونية إذا تناول شخص ما طعاما قديما وأصيب بمرض ما.
وجدت بيانات متابعة دراسة هارفارد لعام 2013 أن توحيد نظام تحديد التواريخ على الملصقات في جميع أنحاء البلاد من شأنه أن يكون مفيدًا للاقتصاد والمستهلكين. وتشير تقديراتها إلى أن سن تشريعات موحدة يمكن أن تضيف قيمة اقتصادية تبلغ حوالي 1.8 مليار دولار للولايات المتحدة، مع تحويل ما يقدر بنحو 398 ألف طن من بقايا الطعام لإطعام الناس، بدلا من إرسالها إلى مكبات النفايات.
أوردت الكاتبة أن أفضل شيء يمكننا القيام به هو محاولة تثقيف أنفسنا، وتغيير الطريقة التي نتسوق بها لشراء الطعام. تقول ليب إن تحسين النظام قائم على 3 خطوات كبرى:
أولا- اعتماد الملصقات القياسية التي تشير إما لتحديد تاريخ الطزاجة أو تاريخ السلامة. ثانيا- نحن بحاجة إلى برنامج للصحة العامة لتثقيف الناس حول ما هو آمن للأكل. وقد نفذت المملكة المتحدة مثلا سلسلة من الحملات لتحقيق هذه الغاية تحت شعار "انظر، شم، تذوق، لا تهدر" بالتعاون مع المصنعين لمساعدة الناس في فهم متى يحتفظون بطعامهم ومتى يرمونه.
أما الخطوة الثالثة فتعتمد على تغيير الطريقة التي نسمح بها بالتبرع بالطعام وتوزيعه من خلال بنوك الطعام وغيرها. هذا يتطلب تحولا في طريقة تفكيرنا. وإذا كان الجميع يأكلون الطعام بعد تاريخ "الطزاجة" فسيكون هناك تردد أقل في تقديم هذا الطعام، ويقل الخوف من إمكانية مواجهة الإجراءات قانونية في حال حدوث بعض الآثار الجانبية. ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على المجاعة وانعدام الأمن الغذائي بالولايات المتحدة.
لكن هذا يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية تفاعلنا مع الطعام. نحتاج إلى أن نبدأ في الوثوق بحواسنا لإخبارنا ما إذا كان الطعام صالحا للأكل. ومن جهتها، نصحت أدلر باستخدام أعضائك الحسية، لأنها تساعد في معرفة الأشياء التي تهدد حياتنا، ذلك أن الشعور باستجابة جسمك مطمئن للغاية.
المصدر: فوكس + الجزيرة