جامعاتنا بين وهم الانجاز والواقع المفزع
يجمع الكثيرعلى أن العديد من جامعاتنا تعاني من عللٍ باتت تؤرق المجتمع الاكاديمي والمسؤولين في الدولة الأردنية. فالجامعات وجدت لتكون رافد أساسي للتغيير وداعم حقيقي للاقتصاد الوطني وبؤراً لتنمية المدن والقرى. في جامعات الدول المتقدمة وبعض الجامعات الاقليمية تتلاحق الانجازات العلمية لتترافق مع انجازات صناعية وطبية وفضائية وحتى في مجالات الفنون والرياضة. وحيث أن الانجاز يعني الانتهاء من العمل الذي تم البدء به، فمن الناحية الكمية، هل أنتهت جامعاتنا من المديونية؟ ومن الناحية النوعية، هل تم فعلا إحداث نقلة نوعية في مخرجات الجامعات؟
إن واقع الحال يقول بأن العديد من الجامعات لا زالت ترزح تحت وطأة الديون وأن مخرجاتها التعليمية تعاني الكثير من النقص في المعرفة والمهارات الاساسية اللازمة لسوق العمل، رغم أن الدولة تقدم دعماً مالياً للجامعات ضمن حدود معينة وبأساليب مختلفة بهدف تحسين جودة المخرجات التعليمية، إلا أن عدم قدرة العديد من الادارات الجامعية على إيجاد طرق لتخفيض التكاليف من خلال تسويق خدماتها واستثمار مواردها لمواجهات العجوزات المتراكمة، جعلها تدور في فلك الديون. وفي ظل معادلة شح الموارد المالية في الدولة ومديونية العديد من الجامعات كان من المفترض بإدارات تلك الجامعات المديونة أن تتبنى رؤيا لتنقلها من البعد التقليدي العام إلى مستوى الجامعات المنتجة والذي لا يتحقق إلا بالاستثمار وتسويق الخدمات. وهذا لا يتم عبر إنشاء مواقع إدارية شكلية منزوعة الصلاحية أو صناديق استثمار رصيدها صفر أو لجنة استثمار لا تجتمع في العام الواحد لأكثر من مرة، بل يتطلب إرادة صادقة ورؤيا حقيقية من نفس رئيس الجامعة ومجلس الامناء. فطوال السنوات الماضية، لم نسمع من رؤساء الجامعات المديونة عن استثمارات انجزوها ذات عائد على جامعتهم، رغم إدراكهم لحجم الديون المتراكمة.
ومع غياب الدور القيادي السليم لبعض مجالس الامناء التي اعتاد البعض منها على أن يكون أداة مطواعة بيد رئيس الجامعة بسبب التنفيعات والمصالح، ازداد الإخفاق في الوصول إلى نموذج حقيقي يجمع بين البعد الكمي من حيث خفض التكاليف واستثمار الموارد والبعد النوعي من حيث جودة مخرجات العملية التعليمية، لتتباين الجامعات في إمكانياتها واداؤها العام.
لقد أثبتت التجارب أن ممارسات رؤساء الجامعة لها الدور الأكبر في تحديد الاداء النوعي والكمي للجامعات. فمثلاً، حينما يتغنى رئيس جامعة سابق بتحقيق وفر مالي يزيد عن 25 مليون دينار، ليتبين لاحقاً أن هذا الوفر قد جاء على حساب جودة العملية التعليمية برمتها، فهل يعد ذلك انجازاً؟ وحينما تقوم جامعة رسمية أخرى بإنشاء كليتين للدراسات العليا (1. عمادة الدراسات العليا، 2. كلية الدراسات العليا لادارة الاعمال)، فهل هذا من المسؤولية بشيء؟ وحينما تصبح مكافأة الموازي لأحدهم مبحثاً نيابياً وأمراً يستوجب على وزير التعليم العالي معالجته، فأين أولوية تغليب الصالح العام؟ وحينما تقع على أحدهم جلوة عن مكان عمله لأنه نال من قدسية الجامعات لتملئنا الألفاظ الخادشة للحياء على كتب الفكر والفلسفة والدين، فكيف ستبني الجامعات فكراً مجتمعياً صحيحاً؟ ويمتد الأمر الى تلفيق التهم وحياكة المؤمرات على المدرسين، لكي يتخلخل الأمن الوظيفي والمجتمعي.
ولكي لا نبقى في آخر عربة في القطار، فبرأيي، توجد ضرورة لاستعجال الصواب وحرق المراحل من قبل رئيس واعضاء مجلس التعليم العالي، فقطار التقدم العلمي والتطور الكمي والنوعي في إدارات الجامعات العالمية والعديد من الجامعات الاقليمية، اسرع من قطار الاداء المترنح لبعض الادارات التي بوجودها لم نلمس الا وهم الانجاز وضياع القدوة.
# جامعاتنا – تستحق – الافضل #